من الذي سيخلف الرئيس عباس؟ أحاديث الخفاء التي لا تخرج للعلن

لا تتوقف شائعات مرض الرؤساء، عملية بحث على محرك البحث العالمي “غوغل” تجعل المهتم يكتشف أنها كثيرة جدا، وفي أغلبها ترتبط بالمجتمعات والدول غير الديمقراطية التي تتغذى المجتمعات عليها في ظل غياب المعلومات الدقيقة والموثوقة.
الأمر في فلسطين المحتلة لا يختلف كثيرا عن هذه الدول مع خصوصية تُميزها عن غيرها، فهي شبه دولة (نظام حكم ذاتي تحت احتلال عسكري)، وتعيش انقسامات داخلية عميقة بين مكوناتها السياسية المختلفة، وبين الحزب الحاكم وفصائل المعارضة الأخرى، والأهم وجود احتلال إسرائيلي يسعى دوما إلى استثمار واستغلال واقعها غير الواضح ومحدد المسارات والسيناريوهات لإضعاف هذا الشعب وتفتيت بنيته وتشظي مكوناته.
وفق هذه الصورة لا يعتبر ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بالعربية قبل أيام فيه الكثير من الجديد عندما ذكرت في تغريدة أن محمود عباس في وضع صحي صعب وهو ما دفعه لنقل صلاحياته للوزير حسين الشيخ الذي كان قد عين قبل أيام في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير. غير أن التغريدة التي حذفت لاحقا وتلقفتها وسائل إعلامية كثيرة كشفت مقدار هشاشة الوضع الفلسطيني الداخلي، وعبرت عن صراعات تعيشها الساحة الفلسطينية.
جانب من النقاش الإعلامي الفلسطيني انصب على الإشاعة: ومن نشرها؟ والجهة التي سربتها؟ ومن له المصلحة في ذلك؟ وعن أسباب عدم التحقق من النشر؟ وأثر ذلك على المواطنين..الخ؟ ورغم أهمية ذلك الحديث الذي ركز على الشق الإعلامي من المسألة إلا أنه لم يترافق مع أي نقاش سياسي حقيقي حول من هو خليفة الرئيس محمود عباس؟
حساسية طرح الموضوع
في حلقة برنامج “حديث الناس” التي يقدمها الإعلامي محمد الأطرش على أثير “إذاعة علم” (تتبع جامعة الخليل جنوب الضفة الغربية) تم طرح قضية الإشاعة، وعلى مدار ساعة كاملة حضرت إشارات قوية حول أن المشكلة ليست إعلامية بالأساس.
وبحسب المذيع الأطرش الذي يتناول في برنامجه قضايا يومية تهم المواطنين فإن الإعلام الفلسطيني يتحسس بشكل مبالغ به في تناول ملف خلافة الرئيس عباس بسبب ارتباط هذا الملف بمرحلة غير واضحة المعالم، وهي ترتبط بالتنافس الشديد بين عدد من القيادات الفلسطينية التي تطمح لذلك.
وأضاف: “فتح الملف مرتبط أيضا ببعد أمني وسياسي لمرحلة ما بعد الرئيس، والتخوفات القائمة بسبب التعقيد القانوني لهذه المسألة، كون الحالة استثنائية بفعل القرارات السياسية والقانونية”.
وشدد على أن الإعلام الفلسطيني في تناوله لهذا الملف هو انعكاس إلى تجنب القيادات والأحزاب الفلسطينية من الحديث المباشر عن هذه المرحلة، “لقد انتقلت الحساسية إلى الإعلام”.
وعن حلقته يوم الاثنين قال: “عنوان الحلقة تناول الملف بطريقة غير مباشرة، تحديدًا من زاوية التعامل الإعلامي الرسمي وغير الرسمي مع الأخبار المتضاربة، والشائعات بالعموم”.
وتابع: “كان لنا محاولات في اليومين الأخيريْن للوصول إلى قيادات من الصف الأول ولم تجب على هاتفها، كما تمكنا من الوصول إلى ضيف آخر وهو متحدث رسمي باسم حركة فتح، الذي لا أعتقد أنه يمتلك الإجابات الكاملة لتقديمها للجمهور”.
وشدد انه ليس سهلًا على وسيلة إعلام فلسطينية محلية، أو صحافي فلسطيني أن يطرح سؤال من هو خليفة الرئيس بشكل مباشر، لارتباطه بالاعتبارات السابقة، رغم أنه سؤال مهم، لكن الصحافي ووسيلة الإعلام تفضل عدم طرحه لسببين، الأول لاعتقادها المسبق بأنها لن تجد إجابة، والثاني، بسبب وجود نوع من الرقابة الذاتية بفعل التضييق التي يتعرض لها الصحافيون في حال تناول ملف بهذه الحساسية رغم أهميته.
ويشكو إعلاميون فلسطينيون كثر من عدم حديث المسؤولين الفلسطينيين لوسائل الإعلام الفلسطينية حول مواضيع وقضايا ينظر إليها على أنها حساسة فيما تنشر حول ذلك وسائل إعلامية إسرائيلية.
وفي هذا السياق ذكر موقع صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلي أنّ السلطة الفلسطينية فتحت تحقيقًا في محاولة لمعرفة الجهة الذي سرّبت “إشاعة” نقل الرئيس جانبا من صلاحياته لحسين الشيخ بسبب “ظروف صحية”.
وكتبت التقرير في الصحيفة مراسلة الشؤون الفلسطينية “دانا بن شمعون” حيث حمل عنوان: “هل اختار أبو مازن وريثًا؟.. التسريب والاضطراب خلف كواليس النبأ الذي عصف برام الله”.
وبحسب الصحيفة فإن من وصفته بـ “معسكر المعارضين” لتعيين حسين الشيخ أمينًا لسرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الأيام الماضية، طالب بعقد اجتماع عاجل للمؤسسات القيادية لبحث تعيين الشيخ، واحتجاجًا على الشائعات التي انتشرت عن توسيع صلاحياته.
وذكرت الصحيفة أن ثمة “معسكر حسين الشيخ” في مواجهة معسكر مضادّ يقوده جبريل الرجوب الذي يتطلع هو الآخر لشغل منصب الرئاسة بعد وفاة عباس، وفقًا للصحيفة العبرية التي ترى أيضًا أنّ ثمة أطراف أخرى داخل فتح وخارجها، يستعدون لليوم الذي سيغيب فيه “أبو مازن” عن المشهد.
ثلاث دوائر مهمة
وفي حديث لـ”لقدس العربي” اعتبرت إحدى القيادات في حركة فتح سؤال خليفة الرئيس الفلسطيني بالمسألة “غاية في الأهمية”، وأكدت أن هذا الموضوع هو حديث دائم لدى جميع المستويات في الحركة إلا أنها غالبا ما لا تخرج للعلن.
وشدد القيادي، الذي رفض ذكر اسمه، أن هناك تيارا داخل الحركة، وهذا أمر لم يعد سرا، “هناك تيار يقوده الوزير حسين الشيخ ومدير المخابرات ماجد فرج، وهو الأقرب للرئيس، وتيار ثاني يتزعمه جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح.
وقال إنه على هؤلاء أن يجيبوا عن سؤال: لماذا لا يتم بحث سيناريوهات المستقبل في حال غاب الرئيس؟ هؤلاء هم المسؤولون، تقنيا وفنيا، وهم من يجب أن يطرح السؤال عليهم.
وفي معرض حديثه نقل القيادي حكاية حدثت في اجتماع اللجنة المركزية الأخير مفادها أن الرئيس الفلسطيني كان يصلي أثناء الاجتماع، فيما كان هناك قياديا فتحاويا يتناقش مع آخرين على مسمعه حول أن “الرئيس في النهاية سيموت”، (تشير التقديرات أن عمره 86 عاما)، وبالتالي كان السؤال: لماذا لا يتم إقرار آلية حول من سيخلفه؟.
وعن موقف الرئيس من هذا النقاش قال: “فور انتهاء الرئيس من الصلاة قال للأخوة المتناقشين إن هذا كلام صحيح مئة بالمئة، وبالتالي يجب بحث مسألة من يخلفه”.
وأضاف: “نحن نتحدث هنا عن نقاش ضروري وضمن مستوى واحد فقط من مستويات التأثير، أي داخل الحركة، وهو أمر ليس بالضرورة أن يكون ملزما للمستوى الشعبي الفلسطيني أو الدولي”.
وبرأي القيادي الفتحاوي فإن هذه القصة تحمل دليلا على أن الرئيس لا مشكلة لديه في مسألة بحث من يخلفه.
وتابع: “سؤال من يخلف الرئيس مهم، وهو أمر دائم وفي كل الاجتماعات والأحاديث الداخلية للحركة، مثلما طرحت مراكز الدراسات الغربية السؤال، ومثلما تناول الإخوان المسلمين الأمر وقدموا رؤيتهم لما بعد الرئيس، وكذلك الجهات العربية، سيكون من الطبيعي أن تنجز الحركة هذا الأمر”.
لكن القيادي يقر أن ذلك لا يتم، حتى للحظة، بالطريقة الصحيحة، رغم أنه يرى أن كل من يطرح هذا السؤال هو حريص على مصلحة الحركة والحالة الفلسطينية.
وعن الجهات ذات التأثير في خليفة الرئيس الفلسطيني قال المصدر: “هناك ثلاثة دوائر الأولى داخل الحركة، والثانية محلية شعبية، والثالثة إقليمية ودولية، ولكل دائرة تأثير على من يكون خليفة الرئيس”.
وأكد أن الحلقة الأولى التي على فتح بحثها وإنجازها تتمثل بمن هو رئيس الحركة القادم، وتابع: “لا يعني ذلك أن ما تختاره فتح رئيسا لها بعد عباس سيكون بالضرورة رئيسا للسلطة الفلسطينية، فهناك منظمة التحرير الفلسطينية وهي تتكون من قوى وفصائل ولها وجهات نظرها أيضا في هذه المسألة، وهناك الدائرة الثانية التي تمثل الحالة الشعبية المحلية، والدائرة الثالثة التي تشمل المستوى الإقليمي والدولي”.
وتابع هناك سيناريوهات كثيرة حول ما تفرزه الحركة، فقد يكون مناسبا للمقاس الشعبي الفلسطيني وهذا قد يعني أنه متعارض مع المقاس الدولي، وقد يكون متوافقا مع المقاس الدولي لكنه متعارضا مع المقاس الشعبي، وبالتالي الأمر متعدد الأوجه.
وشدد أنه في حال اختارت اللجنة المركزية قائدا لفتح فإننا سنكون أمام توافق على شخص واحد وهذا جيد من حيث المبدأ.
ويرى القيادي بضرورة أخذ الخطوة الأولى التي سيترتب عليها توافقات وحوارات كثيرة، في ظل أن فتح لا يمكنها أن تفرض نفسها على الشعب الفلسطيني.
بين السيء والأسوأ
بدوره انتقد المحلل السياسي هاني المصري غياب آلية قانونية وشرعية لأي عملية انتقال للسلطة في ظل غياب المجلس التشريعي، إضافة إلى غياب أي توافق وطني في ظل حالة الانقسام السياسي الفلسطيني.
وقال المصري في حديث صحافي أنه لا يوجد بالقانون الفلسطيني ما يشير إلى أن للرئيس صلاحية تفوضه بنقل مهماته، وفي حال جرى ذلك فإنه سيكون غير قانوني، وسيزيد التعقيد تعقيدا، معتبرا أن ذلك يستدعي أن نفكر ونعطي المصلحة الوطنية أهمية وأولوية على حساب المصالح الفئوية والفردية.
وأكد أن شغور منصب الرئيس لأي سبب سيكون له تداعيات خطيرة، وهو ما يجعل من إشاعة مرضه ونقل صلاحياته تنال حضورا إعلاميا طاغيا.
واعتبر أن السيناريوهات المستقبلية في مثل هذه الحالة متعددة ولكنها بين السيء والأسوأ لغياب المؤسسة الفلسطينية والانتخابات والتوافق الوطني، وهو ما يعزز من احتمالات الاقتتال والفوضى لغياب الشخص المتفق عليه.
وأشار المصري إلى أنه حتى اللحظة لا يوجد اتفاق على شخص، بل هناك عدة متنافسين. وهو ما يجعل للمسألة مضاعفات وأبعاد غير صحية.
واعتبر أن من يستفيد من حالة الصراع الفلسطينية طرفان الأول مراكز القوى في الحركة وداخل السلطة، والاحتلال الإسرائيلي، فيما المتضرر هو الشعب الفلسطيني.
يذكر أن الرئيس عباس، قد كلف عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة التحرير الوطني “فتح” حسين الشيخ، قبل أيام بمهام أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة.
ويخلف الشيخ في هذا المنصب، صائب عريقات، الذي توفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، متأثرا بإصابته بفيروس كورونا. رغم أن النظام الداخلي للمنظمة، ينص على انتخاب أمين السر في اجتماع اللجنة التنفيذية.
وفي فبراير/ شباط، اختار المجلس المركزي الشيخ، بدلًا عن الراحل صائب عريقات في اللجنة التنفيذية، ومحمد مصطفى مكان حنان عشراوي التي كانت قدمت استقالتها.
أمر متعمد
بدوره كان الباحث غيث العمري، وهو زميل في معهد واشنطن، قد اعتبر أن الافتقار إلى الوضوح فيما يتعلق بمن سيخلف الرئيس عباس هو أمر متعمّد.
واعتبر العمري، في ندوة سياسية افتراضية نظمها معهد واشنطن، أن رئيس السلطة الفلسطينية طالما اعتمد سياسة تهميش المنافسين من أجل تعزّيز مكانته في أوساط الجهات الفاعلة الدولية بحيث يجعلها غير راغبة في ممارسة الضغوط عليه بسبب القلق من أن يرحل من دون أي خليفة.
وينص الدستور الفلسطيني إنه إذا ما تغيب الرئيس لأي سبب يتولى رئيس “المجلس التشريعي الفلسطيني” السلطة لمدة شهرين غير أن الخيار أصبح غير ممكنا مع قرار المحكمة الدستورية حلّه عام 2018.
وبرأي غيث فإن السيناريو المتوقع من الناحية النظرية، بدلاً من أن يتولى منصبه رئيس المجلس التشريعي (قيادي في حماس)، ستختار “اللجنة المركزية لحركة فتح أحد أعضائها لخلافته، ثم تقر “منظمة التحرير الفلسطينية” اختيار هذا الرئيس، ومن ثم تصادق “المحكمة الدستورية على القرار”.
ويتوقع غيث إنه من المرجح أن يختار مسؤولو فتح شخصاً ضعيفاً وكبيراً في السن ولا يشكّل أي تهديدا ليكون بمثابة واجهة بينما يستمر التنافس على السلطة وراء الكواليس.
ويشدد غيث أن معركة الخلافة تنطوي على مخاطر كبيرة، فقد تحاول “حماس” استغلال العملية لإحداث اضطرابات في الضفة الغربية، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تقدّم الحركة مرشحاً رئاسياً خاصاً بها. كما أن طول العملية يمكن أن يسبب مشاكل أيضاً.
يذكر أنه عندما توفي الرئيس الراحل ياسر عرفات، لم تستغرق منظمة التحرير الفلسطينية سوى أقل من ساعتين لتسمية خلف له، الأمر الذي ساعد الرئيس عباس وقتها على تعزيز سلطته، أما اليوم والحديث للعمري فيمكن لهذه العملية أن تمتد لفترة أطول كما يمكن أن تكون “القشة التي تقصم ظهر البعير.
القدس العربي



















