+
أأ
-

خطبة يوم الجمعة الموافق 23-09-2022م( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراماً ) 

{title}
بلكي الإخباري

بسم الله الرحمن الرحيم













الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .





لقد عظّم الإسلام حرمة دم الإنسان وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا يزال في فسحة من دينه ما لم يعتد على النفس المحرمة ويسفك الدم فمتى سفك الدم فقد وقع في خطر عظيم فقال صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراماً» صحيح البخاري.
إن حفظ النفس الإنسانية من الاعتداء عليها من الكليات الخمس التي أوجب الإسلام الحفاظ عليها، ومتى حافظ عليها يحقق العبودية لله تعالى، ولذلك يحرم عليه يزهق نفسه أو نفس غيره بالقتل، لأن قتل النفس ، وسفك الدم يجعل المؤمن يفقد فسحة عظيمة في دينه.
بل عدّ النبي  الاعتداء على النفس أعظم من زوال الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ» سنن ابن ماجه، وقد رتّب الله تعالى اللعنات والغضب على المعتدين على النفس الإنسانية ، مع ما يناله من العذاب الأليم العظيم يوم القيامة، يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء: 93، بل جعل الله تعالى قاتل النفس الواحدة في مقام من يقتل جميع الناس، لبشاعة جريمته، وقبح فعله، فقال سبحانه: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾ المائدة: 32.
وعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» سنن الترمذي.
وكان آخر ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته في حجة الوداع، مخاطباً الأمة الإسلامية بكلمات سطرها التاريخ بمداد من نور إلى يوم الدين: «إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت» متفق عليه.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من ترويع الآمنين، وتهديد المسالمين، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أشَارَ إلَى أخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَنْزعَ، وَإنْ كَانَ أخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ» صحيح مسلم، فكيف بمن تلوثت يداه بالاعتداء على حرمة النفس وانتهاكها بغير وجه حق، وقادته دوافع نفسه الأمارة بالسوء إلى جريمة سيلقى جزاءها خسراناً وندامة في موازين العدل عند الله تعالى: (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) غافر: 52، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يأتي المقتولُ متعلِّقًا رأسُه بإحدى يديه، متلبِّبًا قاتلَه بيدِه الأخرى، تشخبُ أوداجُه دمًا، حتى يأتيَ به العرشَ، فيقول المقتولُ لربِّ العالمين: هذا قتلني فيقول اللهُ للقاتلِ: تعستَ، و يذهبُ به إلى النارِ» سنن الترمذي.
ومما لا ريب فيه أن الدم الحرام يوقع فاعله في الإثم العظيم، وإذا اقتتل مسلمان، فالقاتل والمقتول في النار، القاتل لأنه سفك دم أخيه المسلم، والمقتول يدخل النار لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه، وبذلك خسر الاثنان ( القاتل والمقتول) خسراناً مبيناً. ومن العدل أن يفقه المسلمون أن الإنسان لا يتحمل جريرة غيره ولا خطيئته ، فالأصل في المسلم براءة الذمة من كل عمل لا يد له فيه، فلا يتحمل مسؤوليته أو تبعاته، فلا يجوز الاعتداء على أرواح الناس وممتلكاتهم أو إخراجهم من بيوتهم وحرقها بسبب فعل لا وزر ولا ذنب لهم فيه. قال الله تعالى : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) الزمر: 7، وقد أكّد الله تعالى هذه الحقيقة في خمسة مواضع في القرآن الكريم، ليبين لنا أن الإنسان هو الذي يتحمل مسؤولية أفعاله في الدنيا، وأنه محاسب عليها في الآخرة، كما أنه لا يجوز محاسبة أي فرد عن ذنب لم يرتكبه ولا علاقة له به، وقد عبّر الله تعالى عن هذه المسؤولية بلفظ (الوزر) وهو الحمل الثقيل، فلا يجوز تحميل إنسان حمل غيره من الأثقال، أو ذنباً هو لم يرتكبه، يقول تعالى: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور: 21، ولذلك يجب على الناس أن لا تحمل بعضها أوزار بعض فلا يتحمل الإنسان ذنباً ارتكبه قريبه أو أخوه، أو أي أحد من أفراد عائلته، فلا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداء على أرواح الأبرياء بالقتل أو الترويع بسبب ذنب ارتكبه غيرهم، لأن ذلك تشبه بالجاهلية الأولى التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجناية أبيه ولا جناية أخيه" سنن النسائي، كما لا يجوز الاعتداء على أموال الناس بالنهب أو على ممتلكاتهم وبيوتهم بالخراب والتدمير، جراء فورة غضب، لأن ذلك من الإفساد في الأرض الذي نهى الله تعالى عنه، وفيه ترويع للآمنين وأكلٌ لأموالهم بالباطل.
وقد بيّن القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام، بأن إنزال العقاب على غير الجاني هو من الظلم في الحكم، فحين طلب إخوة يوسف أن يضعوا أحد الإخوة مكان من وجد الصواع في رحله، فقالوا كما ذكر الله تعالى: (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف: 78، كانت الإجابة من سيدنا يوسف عليه السلام بالامتناع عن ذلك وعدم الموافقة عليه لأنه نوع من الظلم الذي سيقع على إنسان بريء لم يرتكب ذنباً ولا إثما، قال تعالى: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ) يسوف: 79.





الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران : 102.





عباد الله : إننا في بلدنا الأردن نعيش حياةً آمنة مطمئنة ، تسودها روح الأخوة والمحبة، وهي نعمة تستوجب الشكر لأننا معتصمون بحبل الله جميعاً، في هذه الأرض التي بارك الله بها في كتابه العزيز( الذي باركنا حوله) فكان الاعتصام ولله الحمد والمنة، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ آل عمران: 103.
والحق أن إصلاح ذات البين عند وقوع الخصومة من أعظم الأعمال وأجلها عند الله تعالى، لما فيه من تألف قلوب المسلمين وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم، ورأب الصدع الذي حدث بينهم، فمن يقوم بهذا العمل الطيب فهو من الوجهاء بين الناس وعند الله عز وجل، في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم﴾ الأنفال:1، وما كان هذا الأمر الرباني إلا لتبقى الأمة جسداً واحداً قوياً في وجه الطامعين الذين يريدون أن يضعفوا من بنية المجتمع، من خلال إيقاع الخصومة والعداوة بين أفراده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» صحيح مسلم.
وقد يسر الله عباداً صالحين ومصلحين وظفوا طاقتهم وفتحوا بيوتهم وسخروا إمكانياتهم من أجل الإصلاح بين الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم « إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» سنن ابن ماجه، فهؤلاء النفر المصلحون عندما انصرف الناس إلى أعمالهم وخصوصياتهم انصرفوا هم إلى خدمة الناس ورعاية شؤونهم، يقول عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: «هم الآمنون يوم القيامة» معجم الطبراني.
وعلى المسلم أن يتحصن بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، فيحرص على كبح جماح العداوة في المجتمع وكل ما يؤدي إليها من قول أو فعل، وقد وجهنا الله تعالى إلى أن أحسن ما يفعله المسلم إن انتابته موجة الغضب أن يكظم غيظه، وإن كان قادراً على إنفاذه؛ فقال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين﴾ آل عمران: 134.
ولا يكون كالإمعة تأخذه العزة بالإثم وتأخذه العصبية القبلية والإنتقام والثأر لقبيلته أو قرابته منه ولو كان على الباطل ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا» سنن الترمذي.
عباد الله : ولا تنسوا أن تذكروا الله تعالى كما ذكَرهُ سيدنا يونس  حيث قال:  لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء،87) 40 مرة كل يوم إن كنتم مرضى، يَغفر الله لكم ذُنوبكم أو تدخلوا الجنة. (رواه الحاكم)، وَقُولوا (سبحان الله وبحمده) 100 مرة كل يوم تُحط عنكم خطاياكم ولو كانت مثل زَبَد البحر، رواه البخاري.





سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب





والحمد لله رب العالمين