خطبة الجمعة ليوم غد الموافق 12/ذو الحجة/ 1444هـ الموافق 30/6/2023م تحت عنوان ( (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)

بسم الله الرحمن الرحيم
من فضل الله تعالى أنَّ المسلمين يتعرضون في كل عام لنفحات إيمانية، ونسمات ربانية في مواسم الخير العظيمة التي جعلها الله عز وجل فرصة لعباده المؤمنين، يتزودون فيها بالطاعات والأعمال الصالحات، وقد جاءت أيام التشريق الثلاثة ( الأيام المعدودات)؛ ليخبرنا عز وجل بأن هذه الايام جاءت بعد الايام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة ، وهي قلائل في العدد، عظيمة في الأجر والثواب.
ولتحقيق العبودية لله تعالى حريٌّ بنا أن نشكر الله تعالى على نعمائه وجزيل عطائه؛ ليرزقنا المزيد من فضله سبحانه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) سورة إبراهيم: 7، فهذه الأيام أيام فرح وخير وبركة، نأكل فيها ونشرب ولا نسرف، ونستمتع بكل ما أباحه الله تعالى من طيب الطعام والشراب.
ولا ريب أنه لا يليق بالمسلمين أن يقابلوا نعم الله السابغة بإتلافها والإسراف فيها، فقد نهى الله تعالى عباده عن الإسراف في المأكل والمشرب، وفي كل شؤون حياتهم، لأننا أمة الاخلاق والسلوك في كل مناحي حياتنا، فالرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في ذلك، وعلى المسلم أن يلتزم بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر.
ومن مساوئ الإسراف أنه يؤدي بصاحبه إلى الكِبر على الناس ، فإذا أُعجب َ بنفسه ضيّعَ نفسه ؛ لأن الكبر يهدم الأعمال، بل إن مآل المتكبرين يوم القيامة أنهم يُحشرون كالذر في الصغر ، جزاء وفاقاً لأنهم تكبروا على عباد الله، وأسرفوا في تعاليهم عليهم.
إن المعصية تعد من أخطر أنواع الاسراف فإذا أسرف الإنسان على نفسه في المعاصي، فعليه أن يتوب من إسرافه في المعاصي فوراً مع الندم قبل أن تأتي الشمس من مغربها فيغلق باب التوبة .
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
فهرس الآيات
الآية
السورة ورقم الآية
﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ﴾
البقرة:203
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾
البقرة:172
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
الأعراف:31
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾
الفرقان: 67
:﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾
الانسان:8
﴿ كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
العلق: 6-7
﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾
إبراهيم: 7
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ﴾
الزمر:53-54
فهرس الأحاديث
«يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب»
سنن ابي داود
(كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا، ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ)
صحيح ابن ماجة
( يُحشر المتكبرون يوم القيامة امثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان…الحديث)
اخرجه الترمذي وأحمد
من قال: سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر
متفق عليه
" لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"
صحيح البخاري
ومن قال:لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ الانبياء:87، " أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه".
رواه الحاكم في مسنده
ملخص الخطبة (مُلزم)
من فضل الله تعالى أنَّ المسلمين يتعرضون في كل عام لنفحات إيمانية، ونسمات ربانية في مواسم الخير العظيمة التي جعلها الله عز وجل فرصة لعباده المؤمنين، يتزودون فيها بالطاعات والأعمال الصالحات، ففي هذه الايام المباركات أيام التشريق الثلاثة والتي جاءت بعد عيد الاضحى المبارك، ذكرها ربنا تبارك وتعالى بكتابه العزيز أنها (أيام معدودات)، في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) البقرة: 203. ليخبرنا عز وجل بأن هذه الايام جاءت بعد الايام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة ، وهي قلائل في العدد، عظيمة في الأجر والثواب، قد حبانا الله تعالى بها لتكون لنا أيام ذكر وشكر.
ولتحقيق العبودية لله تعالى حريٌّ بنا أن نشكر الله تعالى على نعمائه وجزيل عطائه ؛ ليرزقنا المزيد من فضله سبحانه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) سورة إبراهيم: 7 ، فهذه الأيام أيام فرح وخير وبركة ، نأكل فيها ونشرب ولا نسرف، ونستمتع بكل ما أباحه الله تعالى من طيب الطعام والشراب، قال صلى الله عليه وسلم : «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» سنن أبي داود.
ولا ريب أنه لا يليق بالمسلمين أن يقابلوا نعم الله السابغة بإتلافها والإسراف فيها، فقد نهى الله تعالى عباده عن الإسراف في المأكل والمشرب، وفي كل شؤون حياتهم، لأننا أمة الاخلاق والسلوك في كل مناحي حياتنا، فالرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في ذلك، وقد حذرنا الله تعالى من الشح ، كما حذرنا من الإسراف، فعلى المسلم أن يلتزم بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف، لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر.
ومن مساوئ الإسراف أنه يؤدي بصاحبه إلى الكِبر على الناس، فإذا أُعجب َ بنفسه ضيّعَ نفسه؛ لأن الكبر يهدم الأعمال، بل إن مآل المتكبرين يوم القيامة أنهم يُحشرون كالذر في الصغر، جزاء وفاقاً لأنهم تكبروا على عباد الله، وأسرفوا في تعاليهم عليهم، والإسراف سبب رئيس من أسباب دمار الأمم والمجتمعات وهو كذلك سبب من أسباب فقدان النعم، وقد قال بعض العلماء قلما نعمة ذهبت عن قوم وعادت إليهم، فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا نعمه، وأن يجعلنا من الشاكرين الله لتدوم النعم.
إن المعصية تعد من أخطر أنواع الاسراف فإذا أسرف الإنسان على نفسه في المعاصي، فعليه أن يتوب من إسرافه في المعاصي فوراً مع الندم قبل أن تأتي الشمس من مغربها فيغلق باب التوبة ، قال الله تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾الزمر:53، 54.
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}(6).
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».
(1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة».
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
(المادة العلمية المقترحة)
من فضل الله تعالى أنَّ المسلمين يتعرضون في كل عام لنفحات إيمانية، ونسمات ربانية في مواسم الخير العظيمة التي جعلها الله عز وجل فرصة لعباده المؤمنين، يتزودون فيها بالطاعات والأعمال الصالحات، ففي هذه الايام المباركات أيام التشريق الثلاثة بعد عيد الاضحى المبارك والتي ذكرها ربنا تبارك وتعالى بكتابه العزيز أنها أيام معدودات، في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) البقرة: 203. ليخبرنا عز وجل بأن هذه الايام جاءت بعد الايام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة ، وهي قلائل في العدد، عظيمة في الأجر والثواب، قد حبانا الله تعالى بها لتكون لنا أيام ذكر وشكر ، أيام ذكر لأنّ المسلم يظل لسانه رطباً بذكر الله في كل أحواله ، في السراء والضراء. وهي أيام شكر لله تعالى على ما رزقنا ربنا سبحانه من نعمه الظاهرة والباطنة التي لا تحصى أبداً ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة: 172.
ولتحقيق العبودية لله تعالى حريٌّ بنا أن نشكر الله تعالى على نعمائه وجزيل عطائه ؛ ليرزقنا المزيد من فضله سبحانه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) سورة إبراهيم: 7 ، فهذه الأيام أيام فرح وخير وبركة ، نأكل فيها ونشرب ولا نسرف، ونستمتع بكل ما أباحه الله تعالى من طيب الطعام والشراب، قال صلى الله عليه وسلم : «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب» سنن أبي داود.
ولا ريب أنه لا يليق بالمسلمين أن يقابلوا نعم الله السابغة بإتلافها والإسراف فيها، فقد نهى الله تعالى عباده عن الإسراف في المأكل والمشرب، وفي كل شؤون حياتهم، لأننا أمة الاخلاق والسلوك في كل مناحي حياتنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31] قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان سَرفٌ ومخيلة. قال صلى الله عليه وسلم: (كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا، ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ) صحيح ابن ماجة، وقال علي بن الحسين بن واقد: جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا.
وقد حذرنا الله تعالى من الشح ، كما حذرنا من الإسراف في قوله تعالى :﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾الاسراء:29
على المسلم أن يلتزم بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر.
عليك بأوساط الأمور فإنَّها نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعباُ
ومما يفطر القلب حزناً وكمداً أننا نرى الطعام والشراب في هذه الأيام المباركة يلقى على قارعة الطريق أو في سلات المهملات ويحرم منه الفقراء والمساكين والمحتاجون، مخالفين بذلك الصفات الطيبات في قول الله عز وجل :﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ الانسان:8، وهذا عمل عظيم وباب كريم من أبواب الخير في تحقيق التكافل الاجتماعي بأبهى صوره ليصبح مجتمعنا الأنموذج الذي يحتذى به.
ومما لا شك فيه أن الإسراف من العادات السيئة والمذمومة، ونحن مأمورون بالاقتصاد في أمور حياتنا كلها لا إفراط ولا تفريط، وقد جعل الله تعالى المنهج الوسط من صفات عباده المتقين قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ الفرقان: 67
ومن مساوئ الإسراف أن يؤدي بصاحبه إلى الكبر على الناس ، فإذا أُعجب بنفسه ضيع نفسه ؛ لأن الكبر يهدم الأعمال، قال الله تعالى:﴿كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ العلق:6، 7. بل إن مآل المتكبرين يوم القيامة أنهم يُحشرون كالذر في الصغر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُحشر المتكبرون يوم القيامة امثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان…الحديث) اخرجه الترمذي وأحمد، جزاء وفاقاً لأنهم تكبروا على عباد الله، وأسرفوا في تعاليهم عليهم، والإسراف سبب رئيس من أسباب دمار الأمم والمجتمعات وهو كذلك سبب من أسباب فقدان النعم، وقد قال بعض العلماء قلما نعمة ذهبت عن قوم وعادت إليهم، فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا نعمه، وأن يجعلنا من الشاكرين الله لتدوم النعم.
عباد الله:
إن المعصية تعد من أخطر أنواع الاسراف فإذا أسرف الإنسان على نفسه في المعاصي، فعليه أن يتوب من إسرافه في المعاصي فوراً مع الندم قبل أن تأتي الشمس من مغربها فيغلق باب التوبة ، قال الله تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾الزمر:53، 54.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر"، ومن قال: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي"، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين

















