عاجل / قراءة لبلكي نيوز : الإشاعات والتشكيك … مساق مضاف في استهداف الأردن وجهوده .

علمتنا دروس الظروف الاستثنائية والخطيرة أن أنجع الأفكار والقراءات وصولاً الى الاستنتاجات والمواقف هي تلك التي تنتج عند التفكير بعقل بارد ، والتي تستند إلى رؤية تتجاوز المشاعر المستفَزة والآلام فتستحضر الحقائق والمعطيات وتستقرئ المآلات ضمن آليات الموازنة بين المراد والممكن من جهة، وبين الرغبة الملحّة والخطوات القابلة للصمود وتحقيق النتائج من جهة أخرى، على العكس تماماً من منطق أصحاب الأجندات الذين يجدون في الأحداث الجسام بيئة خصبة للمزاودة والاصطياد في الماء العكر وتمرير المواقف وخلط الأوراق ، بما يفرزه ذلك من ضغط وتشتيت لجهود المخلصين الباحثين عن إنجاز الرؤى والمصلحة في أجواء صافية تعطي قدرة على الحركة ومواجهة الظرف بدل الاشتباك مع الأجندات الضيقة أو تداعيات حجر هنا وآخر هناك يلقيها بلؤم وخسة أصحاب الأجندات أو الرؤوس الحامية في بئر الوطن العذب ، والتي يستدعي إخراجها جهوداً هائلة مضنية .
لاشك أن المشهد الفلسطيني اليوم استثناىي بكل جوانبه، سواء في قيمة وعظمة ومفصلية شكل وتوقيت وحجم ودلالات عملية (طوفان الأقصى) البطولية صبيحة السبت الفائت، او في خطورة ودموية ومخاطر وتداعيات العدوان الصهيوني الغاشم على أهلنا في قطاع غزة المحاصر، والتي تأتي بمباركة ودعم واسناد واضح معلن من واشنطن وحلفائها الأوروبيين ، مايضاعف من كم التفاعل العربي مع الحدث ، ويضاعف بالتالي رغبة كل المخلصين بمساندة الأشقاء هناك والدفع نحو وقف الجريمة الصهيونية المستمرة ومد يد العون، وشعبنا الأردني الحي في مقدمة المخلصين المشتبكين مع الحدث الفلسطيني، الراغبين في تقديم كل مايمكن في سبيل أشقائنا وقضيتنا المركزية ومواجهة الاحتلال وعدوانه، وعينهم على الموقف الرسمي الثابت بهذا الخصوص .
في تحليل أولي للمشهد مابعد (طوفان الأقصى) قدمنا في (بلكي نيوز) قراءةً مبكرة للازم والملحّ لجهة الدور والمسؤولية بل والقدرة الأردنية على التحرك ، متتبعين تطور الجهد الرسمي اللافت الذي انطلق منذ اللحظة الأولى للحدث، والذي عزز اليقين بتمسك الأردن بواجبه تجاه فلسطين وقضيتها ومقدساتها ودماء أبنائها وأثبت قدرة استثنائية على استقراء التطورات والوقوف على مآلات المشهد ومخاطره ، وعلى بذل الجهد الذي يتجاوز الهوامش الضيقة التي فرضتها تطورات الأحداث لكبح التدهور قبل أن تسيل أنهار الدماء ويُطبَق على قضية فلسطين ويعاد تشكيل المنطقة وتأزيم كل أطرافها.
ينطلق الأردن الرسمي في دفاعه عن فلسطين اليوم ،كما في كل الاستحقاقات والمحافل، من مسلّمات الأخوّة ووحدة الدم والمصير ومن المصالح والمخاطر المشتركة ، فضلاً عن الدور والمسؤولية التاريخية المتمثلة بالوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، والأردن لايخفي إدراكه التام للخطر المتربص غرباً والذي يتهدده ، سيما مع وجود حكومة (نتنياهو) المتطرفة العنصرية التي خضنا في الأردن أكثر من اشتباك سياسي ودبلوماسي معها على مدى سنوات، كما بات جلياً ان الدفاع عن القضية الفلسطينية وتقديم الدعم للأشقاء هناك هو من الثوابت في السياسة الخارجية الأردنية، وليس خافياً على أحد مجاهرة اليمين الحاكم بمساعي استهداف الأردن ، والذي وازاه ولازال ضغط اقليمي ودولي يضاعف الواقع الاقتصادي المتردي ويدفع نحو فرض حلول وخيارات مدمرة على الأردن ؛ الدولة والجغرافيا.
في ظل كل ذلك ومع تفاقم الأوضاع وانقسام المنطقة والعالم بين متفرج أو عاجز او داعم لكيان الاحتلال ، وفيما يصارع الأردن لتحقيق خرق في جُدر المشهد تلوح في الأفق مخططات ومحاولات لاستغلال الحدث للنيل من الدولة وموقفها واعادة إحياء مشاريع مشبوهة لطالما عاثت فساداً ومارست الاستقواء على الدولة وجعلت مصالحها وانتماءاتها الممتدة خارج الحدود أولوية فوق كل اعتبار وطني او أخلاقي بدل الاصطفاف خلف الدولة وفي خندقها حيث التهديد يوشك ان يصبح وجودياً في حال تشتيت الجهود والفتّ من عضد بيتنا الداخلي واستمرار المخطط الصهيوني الذي يراد لعدوانه على غزة ان يكون بوابة تحقيقه.
تعودنا على التشكيك في الموقف والنوايا ، وهذا قد يحصل في مفاصل مشابهة وان كان مداناً وغير مقبول ، لكن أن يجري الترويج لأكاذيب مُحكمة خطيرة خسيسة في ظرفٍ كهذا فذلك يفوق التصور ويستدعي وقفة حقيقية وموقفاً حازماً، سيما حين يتحول التشكيك او الاصطياد في الماء العكر الى سهام تطلق نحو الوطن ومؤسسته العسكرية التي تحظى بإجماعٍ شعبي مطلق لايماثله سوى الإجماع على العرش الهاشمي ، في مشهد يضيف إلى استهدافات البلاد ومحاولات تطويعها أطرافاً او جماعات يفترض ان تكون اليوم جنوداً في معركة الأردن وفلسطين بل والأمة، وفي وقت يستلزم وحدة الصف والتوحّد خلف الدولة ، سيما مع توحّد محاور دولية الى جانب العدو وتوحّد جبهته الداخلية الهشة خلف قرار العدوان على غزة رغم سنوات من الخلافات والتشققات التي هشّمت صورة الكيان المتماسك المنسجم المستقر ، فهل يعقل ان تدفع الأزمات والملمات جبهة المعتدي الذي يملك القوة والدعم الدولي ونزعة القتل إلى التماسك و يتسلل المتربصون لخلق الفتن والاختلالات والأزمات في مجتعنا الواحد المتحد؟ تلك ولاشك لم نقرأها في كتب التاريخ والتجارب ، ولايمكن محاكمتها بافتراض حسن النوايا او سوء التقدير، فمفردات المعركة واضحة لا لبس فيها.
في تفاصيل آخر وأبرز محاولات النيل من موقف الأردن والإساءة له الإشاعة الخسيسة التي أطلقتها وروجت لها أطراف في الداخل وبتنسيق مع الخارج عن انطلاق طائرة عسكرية أميركية من قاعدة أردنية لإرسال مساعدات عسكرية للكيان الصهيوني لمساندته في عدوانه على الأشقاء في غزة، ما استدعى إصدار الجيش العربي بياناً يخرس ألسن السوء والكذب والتضليل، ويؤكد "ان الطائرة عبرت الأجواء الأردنية وفق الاجراءات القانونية التي تحكم حركة الطيران الدولية، وتأكيد طلب العبور أنها تحمل ركاباً ولا تحمل أي معدات"، … وأن "ما تم تداوله ادعاء كاذب لا أساس له من الصحة ، ويأتي في إطار حملات التشويه ضد مواقف الأردن الثابتة وجهوده المتواصلة لخدمة القضية الفلسطينية …"
في الإطار عينه كان ملاحظاً كم المحاولات الرامية لركوب موجة الحدث والمتاجرة بدم الأشقاء وتحسين الفرص ، كما الدعوات التي أُلبست لبوس النصح لفرض مقاربة جديدة على الدولة عبر تشويه الموقف الرسمي الثابت في الفصل بين ثلاثة مساقات : (الدعم المطلق للأشقاء في غزة ، والعلاقة أو التعامل مع أي طرف أو فصيل أو حزب فلسطيني ، و أن يكون لذلك امتداده او نسخته المحلية )، سيما مابعد تجربة عميقة موجعة مع نوايا وحساباتٍ ضيقة كان لها أثرها الخطير على البلاد والعباد.
العبث كما الإشاعة ومحاولات الاستثمار فيها طُوّقت سريعاً، سيما مع كشف مراميها وسياقها ومطلقيها، بل والساعين للاستثمار فيها، في الداخل والخارج، وقد ثبت أن الأردنيين بوعيهم وحرصهم لم ينساقوا خلفها أو يعيروها اهتماماً يذكر، لكن ذلك لاينفي خطورتها كمؤشر على وجود نوايا ومخططات لابد من التنبّه لها واتخاذ مايلزم لمواجهتها.
في الخلاصة قد تتباين المواقف تجاه الصراع مع الكيان بين الرسمي والشعبي من حيث سقوفها وآلياتها المقترحة، لكن هذا الاختلاف الطبيعي حتى يتضاءل اليوم ، سيما مع قناعة رسمية لا لبس فيها بضرورة التخلص من حكومة اليمين المتطرف ، وإن كان سقف أغلب شعبنا هو ان ينتهي الاحتلال من جذوره وتتحرر فلسطين، وكان للأردن محاولات وخطوات بعضها معلن وبعضها ظل طي السرية لمواجهة هذه الحكومة وسياساتها في اكثر من ساحة بينها الخرق الذي تحقق عبر العمل للتأثير في المشهد السياسي في الداخل المحتل في أعقاب الانتخابات في اذار 2021 ، والمساقات التي أفضت إلى تشكيل حكومة (بينيت - لابيد) على قاعدة "السيء بدل الأكثر سوءً" ، واليوم تستمر المحاولات عبر التشبيك مع المعنيين كان آخرها التنسيق مع الأشقاء في مصر للضغط لكبح العدوان والعمل على ارسال المساعدات العاجلة للأشقاء في غزة .
واليوم وحيث تتمخض أحداث جسام عن تغييرات كبيرة في المنطقة والعالم، ومع ثقتنا بأننا سنتجاوز المرحلة كما تجاوزنا كثيراً من الخاطر والاستهدافات والاستحقاقات ورفضنا الاملاءات والإغراءات، لكننا بحاجة ماسة الى إعادة النظر في كثير من مقاربات الداخل ، قد يكون في مقدمتها إعادة النظر في عوامل حماية المجتمع من التضليل وبث الشائعات على قاعدةٍ معرفية متينة، فإنه من نكد الدنيا على الحر أن يرى وطنه يبذل الأردن كل جهد لحماية الأشقاء في غزة ووقف سفك ، فيما يمارَس العبث والتشكيك والمزاودة ممن يقوم داعميهم وغيرهم من دول وأطراف ما يشبه النبش في ركام ما قصف من غزة بحثاً عن مكتسبات وتسجيل مواقف وتمرير اجندات .
، وإن كان سقف أغلب شعبنا هو ان ينتهي الاحتلال من جذوره وتتحرر فلسطين، وكان للأردن محاولات وخطوات بعضها معلن وبعضها ظل طي السرية لمواجهة هذه الحكومة وسياساتها في اكثر من ساحة بينها الخرق الذي تحقق عبر العمل للتأثير في المشهد السياسي في الداخل المحتل في أعقاب الانتخابات في اذار 2021 ، والمساقات التي أفضت إلى تشكيل حكومة (بينيت - لابيد) على قاعدة "السيء بدل الأكثر سوءً" ، واليوم تستمر المحاولات عبر التشبيك مع المعنيين كان آخرها التنسيق مع الأشقاء في مصر للضغط لكبح العدوان والعمل على ارسال المساعدات العاجلة للأشقاء في غزة .
واليوم وحيث تتمخض أحداث جسام عن تغييرات كبيرة في المنطقة والعالم، ومع ثقتنا بأننا سنتجاوز المرحلة كما تجاوزنا كثيراً من الخاطر والاستهدافات والاستحقاقات ورفضنا الاملاءات والإغراءات، لكننا بحاجة ماسة الى إعادة النظر في كثير من مقاربات الداخل ، قد يكون في مقدمتها إعادة النظر في عوامل حماية المجتمع من التضليل وبث الشائعات على قاعدةٍ معرفية متينة، فإنه من نكد الدنيا على الحر أن يرى وطنه يبذل الأردن كل جهد لحماية الأشقاء في غزة ووقف سفك ، فيما يمارَس العبث والتشكيك والمزاودة ممن يقوم داعميهم وغيرهم من دول وأطراف ما يشبه النبش في ركام ما قصف من غزة بحثاً عن مكتسبات وتسجيل مواقف وتمرير اجندات .

















