عاجل | محرر الشؤون السياسية يكتب : حول ضرورة دعم الموقف الرسمي … فلنغادر منطق "التسحيج" .

مجدداً تتجلي أردنياً وحدة الصف والموقف بين الرسمي والشعبي في واحدة من أبهى صور الأردن المشرّفة المطَمئنة، حيث يتفاعل الشارع الأردني بكل أطيافه ومشاربه بشكل هائل مشرّف مع الحدث في فلسطين حيث عدوان الاحتلال الغاشم الدموي الهائل على أشقائنا في (غزة) في موازاة تصاعد الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي والإغاثي الأردني في سبيل وقف العدوان وتجنيب الاشقاء في (غزة) مزيداً من العنف والقتل والدمار، ولقطع الطريق على العدو قبل إتمامه مخططه القديم المتجدد بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين وتكثيف الاستهداف الممنهج لمحيطها العربي بكل أقطاره وفي مقدمتها (الأردن).
في المواقف الرسمية الهامة والمدوّية ، شكلاً ومضموناً، خطاب الملك في قمة القاهرة للسلام التي عقدت امس بحضورٍ عربي وغربي وازن ، وهي القمة التي كان للأردن دورٌ محوري في اقتراحها وتنظيمها والدعوة لها ، حيث قدم جلالته رؤيةً وموقفاً واضحاً لا لبس فيه، فاق كل السقوف وعبّر عن مخاوف وتحذيرات واضحة بلغت حد التهديد، فالحديث عن ضرورة وجود موقف موحدٍ رافض بالمطلق للتهجير القسري او التسبب بالنزوح ، كما توصيفه بأن ذلك يعتبر "جريمة حرب" دون أي لبس وأنه "خط أحمر" ليس مجرد تصريحات أو توصيفات ، تماماً كما كان وضع أولويات على رأسها وقف الحرب وحماية المدنيين وتقديم المساعدات، وهو موقفٌ ينبئ بما يبنى عليه في حال بقي الحال هو الحال ، مايعني أننا قد نشهد قريباً انتقال الدبلوماسية الأردنية إلى المرحلة التالية من التصعيد والتحذير ، ما قد يترجم إلى حركة دبلوماسية في اتجاهات أكثر تنوعاً وإن اعتبرها الأمريكي والصهيوني رسالة تصعيد مباشر ، لما لا وقد كان الأعمق والأقوى في الرسائل التي حملها خطاب الملك اليوم ماوجهه إلى المجتمع الدولي وعواصم الغرب بالذات، حيث عبّر عما يجول في بال كل أردني بل وكل عربي حر ، سيما حين قال وبلغتهم ،عن سبق رغبةٍ في إرسال الرسالة، " ان حياتنا ليست أقل أهمية من حياتهم، وأن هذه الجرائم لو ارتكبها أحد غير جيش الاحتلال لتمت محاسبته فوراً" مركّزاً بوضوح على الانتقائية في المواقف، ومؤكداً أن عواقب "اللامبالاة والتقاعس الدوليين ستكون كارثةً حقيقية"، في ظل هذا العدوان "الشرس والمرفوض على كل المستويات والذي يمثل عقاباً جماعياً وانتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي" والذي يعتبر "جريمة حرب" .
بالمقابل ؛ في المشهد وعلى الصعيد الداخلي ثمة عدة صور ضمن المشهد عينه : التفاعل الشعبي المُجمع بالمطلق على رفض العداون ومساندة الأشقاء والاستعداد لتقديم الغالي والنفيس في سبيل فلسطين والدم الفلسطيني ومستقبل الأردن وأمنه، وموقف النخب السياسية والاجتماعية التي تصطف علناً في خندق الوطن وموقفه الوطني المتقدم والذي يمكن تقسيمه إلى صورتين : الصادقون المخلصون وهم الأغلبية ، والمتلاعبون بالعواطف والآراء عبر المزاودة أو التشكيك، وهؤلاء مكشوفون بائسون لن يطول الوقت قبل أن تتم تعريتهم ويلفظهم مجتمعنا الواعي إلى حيث يستحقون ، لكن الذي دفع إلى كتابة هذه القراءة هو التيه والتخبط الذي تعانيه بعض أوساط المتفاعلين المخلصين ، ممن يحق أن نسميهم نخباً أردنية ، وعلى وقع تيهٍ مشابه يسود كثيراً من أذرعنا الإعلامية ؛ فالدفاع عن الوطن اليوم يتطلب نشر "ثقافة وعي الموقف، أو لنقل الموقف الواعي" المستند إلى تفصيل المشهد وشرح الحقائق وتقديم توصيفٍ دقيق للمهام الشعبية ، بعيداً تماماً عن الجنوح المعتاد نحو "التسحيج" والتمجيد الذي لايقدم للأردنيين سوا شعورٍ مسبقٍ بالنفور وبالغربة أو المسافة الوهمية بين الموقفين ؛ الرسمي والشعبي.
مشهد اليوم ، كما نراه، دقيقٌ وخطير، ويستدعي الاستنفار الشعبي في موازاة الرسمي أو الدبلوماسي ، لكن استنفار الوعي الشعبي لايعني انتهاج التقافز على مشاعر الأردنيين، فالمشاعر يكفيها مشهد الدم والدمار وصدق الشعور تجاه دم الشقيق الفلسطيني ومصلحة الوطن ، كما لا يعني الجمود والارتجاف في إطار الشعور التقليدي بالتزام مربع اجتراح مفردات موقف "الموالي السلبي" الذي يطلق عليه شعبنا مفردة "التسحيج" ، فالمطلوب اليوم تقديم الحقائق ووضع الناس أمام مسؤولياتها وتوصيف المشهد بمفرداته المباشرة، كيف لا وملك البلاد يرفع السقف عالياً ويجوب المعمورة لتقديم رؤيتنا والدفاع عنها غير آبهٍ ،في سبيل مستقبل البلاد ومصلحة الأشقاء الفلسطينيين، بأثمانٍ تعبّر عنها ضغوطٌ هنا وهناك ، ولا بإغراءاتٍ اقتصادية أو استثمارية تغمز بها هذه الدولة أو تلك، أليس الأجدر بنخبنا كلها أن تغادر مربّع "الطبطبة" وصولاً إلى التعبير عما يمتلكون من رؤية تجاه مآلات ومخاطر ماهو قادم ، سيما وبين ظهرانينا نخبٌ ومفكرون ومنظّرون يملكون من القدرة والحكمة والمعرفة مايشكّل فارقاً في معادلة اليوم ، ونحن - وإن كنا ننتقد تاريخياً رتابة الإعلام الرسمي - نعيش اليوم واحدة من أكثر مشاهد إعلامنا حيويةً وتجاوباً وانفتاحاً، نزولاً عند خطورة ودقة الظرف، وتعبيراً عن واقعٍ إعلاميٍ جديد نتمنى أن يكون ظننا فيه في محله حين نعزوه إلى رؤية حكومية مختلفة ومواكِبة ، يرسمها بشكل مباشر شخص الرئيس ووزير اتصاله الجديد .
سيقول قائل أن الوقت ليس وقت انتقاد ، أو يتهمنا بأننا في "بلكي نيوز" نجذّف بعكس التيار في قراءتنا هذه ، لكننا نقول أن هذا ليس انتقاداً بقدر ماهو نُصح ، وأن هذا الوقت ستذكره أجيالٌ لاحقة وستقرأ حروفه في كتب التاريخ، وهو أكثر وقتٍ يمكن أن يعبّر بوضوحٍ عن رؤية الدولة التي يعبّر عنها مليكها حين يطالبنا بالتعبير والضغط والتقاط اللحظة والإقدام، إنه وقتٌ يجب أن نقول فيه ، وسنقول ، أنه الوقت المناسب واللازم لنكران الذات والقطع مع كل المفاهيم السابقة البالية، والتحرك وفق بوصلة واحدة هي بوصلة استشعار المخاطر وتوصيف الحقائق ووضع العربة على سكتها السليمة، إنه زمن إثبات ذاتنا كنخبٍ تقف - في سبيل إثبات قيمة الوطن وقدرته - على مفترق طرق ؛ إما أننا نستحق ثقة الوطن وأهله، أو فلنغادر ساحة المعركة التي يتطلب خوضها فرساناً مسلحين بالوعي والثقة والشجاعة وحب الوطن والمعرفة، وإلا لماذا يتجرأ أيٌ يكن على الاستهانة بإمكانات الأردن أو موقفه أو ماحققه والأشقاء في مصر من خرقٍ بالغ في جدار الصمت والإقرار بالمجازر وتهيئة الساحات لتنفيذ المخطط؟!!
في الخلاصة؛ عادةً ما يُبتلى الوطن أو يسعفه القدر ببطانة الحاكم ، والبطانة في عصرنا اليوم هم نحن ؛ أصحاب الرأي والقلم والرأي والتأثير ، ونحن هنا وإن كنا لانقرع طبول حربٍ او معركة ولا ننذر بها - وإن كان الأردنيون أهلها ومستعدون لها ولا تخيفهم - لكننا نقول : أن وقائع اليوم ولسان حال الدولة ورأسها تنتظر منا أن نخوض - كنخبٍ ومثقفين - معركة الأردن وفلسطين والأمة والمستقبل على أرضيةٍ صلبة من المعرفة والصدق والإخلاص وسد الثغرات ، فالوطن وأبناؤه والملك يستحقون منا ذلك …… ولا يريدون (التسحيج)!!
















