عاجل | قراءة لبلكي نيوز | الأردن .. مواجهة مفتوحة مع الكيان ، وخطوات في الاستعداد للقادم .

في المشاهد المهمة التي لم تلقَ اهتماماً اعلامياً كافياً في اليومين الماضيين يمكن الإشارة بوضوح إلى مشهدين بارزين : حديث نائب رئيس الوزراء الأسبق "د. محمد الحلايقة" خلال لقاء إذاعي قال عبره ان وزير الخارجية الأمريكي قد عرض أمام الملك خلال زيارة إلى عمّان استقبال الأردن لنحو 300 ألف مهجّر من قطاع غزة ، ومشهد الآليات العسكرية الأردنية المتجهة نحو الحدود مع فلسطين المحتلة .
في المشهد الأول لابد من الإشارة إلى نقطتين فارقتين ؛ الأولى هي ثبوت زيف ادعاءات الاحتلال ومن خلفه واشنطن حول عدم وجود نوايا أو مخططات لتهجير الفلسطينيين ، وهو ما تنبّه له الأردن مبكراً وخطا بتحدٍ في مواجهته ، بنسخته الحالية في قطاع غزة وبنسخته الأخطر المعدّة لتهجير فلسطينيي الضفة نحو الأردن على طريق تصفية القضية الفلسطينية والعبث في الاستقرار والدور والتأثير الأردني ، والثانية هي الرد الأردني الذي أورده "الحلايقة" والذي كان عنوانه الواضح الرفض المطلق لخطواتٍ من هذا النوع .
في المشهد الثاني أيضاً ثمة الكثير مما يقال، فالتحرك العسكري الأردني ليس حدثاً عابراً ولا يجوز قراءته بوصفه تحريكاً تكتيكياً للأوراق ، سيما وأنه لم يستثمر إعلامياً ، وباستثناء حديث عابر على لسان النائب "عمر العياصرة" مساء أول من أمس في لقاء تلفزيوني أوحى بحصول التحرك المذكور؛ بالكاد يستطيع المواطن الأردني التأكد من صحة المقطع المنتشر وبالتالي من أبعاد المشهد الأردني اليوم، إلى ذلك يصح اعتبار هذه الخطوة دليلاً مضافاً على دخول الأردن مرحلة المواجهة مع كيان الاحتلال ، خصوصاً إذا ما أضيف لها مجموعة من التطورات والخطوات في إطار سردية تحاكي تطورات الموقف الأردني من اللحظة الأولى لتفاعل الأحداث منذ يدء العدوان الصهيوني المدمر على قطاع غزة .
في رصد للموقف المتصاعد يمكن إجمال عناوينه العريضة كمايلي : من اللحظة الأولى ، وكما وصّفنا في (بلكي نيوز) في قراءات سابقة، استشعر الأردن مخاطر المشهد ومآلاته الخطيرة فأطلق العنان للجهد الدبلوماسي (الذي يرسم "القصر" خطوطه ومساراته والذي كلف بالتعبير عنه وتنفيذ مفاعيله وزير الخارجية "أيمن الصفدي") والمُنصبّ على وقف العدوان وحماية أهلنا في غزة وإرسال المساعدات ، والمطالبة بفك الحصار ، وقطع الطريق على استثمار حكومة نتنياهو للدعم الأمريكي الغربي المطلق لتحقيق مشروع تصفية القضية الفلسطينية وتغيير شكل المنطقة ، ولم يتردد الأردن في إدانة العدوان ورفض ذرائعه بالدفاع عن النفس رغم الضغوط لإدانة عملية المقاومة "طوفان الأقصى" ، واستمر التحذير من التهجير ومن حتمية ومخاطر اتساع رقعة الحرب ، وجاء تصريح الملك المهم العميق حول اعتبار التهجير جريمة حرب وأن الأردن سيقوم بكل مايلزم لمواجهته، وهو ماقوبل بمزيد من الضغوط ولاقى ترحيباً شعبياً هائلاً ، ثم جاء قرار استدعاء السفير الأردني لدى الاحتلال ، وفتح ملف الاتفاقيات مع الكيان على طاولة مجلس النواب، و التصريح الشهير لوزير الخارجية حول (اعتبار "حماس" فكرة ، لا مجرد حركة يمكن اجتثاثها ) وتصريحه حول ( أن معاهدة وادي عربة ستكون وثيقةً تجمع الغبار على رفٍ في مستودع ما) والذي شكل صدمة للاحتلال وداعميه ، وصولاً إلى إلغاء اتفاقية الماء مقابل الطاقة التي كان يفترض توقيعها الشهر المقبل ، والإصرار على رفض فكرة إرسال قوات عربية لإدارة غزة (لا مجرد رفض المشاركة).
وبالعودة إلى تحريك قواتنا المسلحة باتجاه الحدود مع فلسطين المحتلة، ماذا عن السياق؟
قبل نحو عشرة أيام مر خبرٌ هام حول بدء الأردن إرسال قوافل القمح والدواء إلى الضفة الغربية ، وفيما كان الاهتمام الاعلامي منصباً على المساعدات المرسلة الى "العريش" استعداداً لإدخالها إلى قطاع غزة ، وعلى الحدث العظيم الذي تمثل بإنزال المؤن والأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفى الميداني الأردني في غزة لأكثر من مرة، لم يلقَ خبر القوافل الاهتمام المفترض لجهة أهميته ودلالاته أو أبعاده، حتى حين تبعه قبل أيام قليلة إرسال مستشفىً ميداني أردني الى مدينة "نابلس"، في ضوء تصاعد التحذير الأردني من مآلات تدهور الأوضاع في الضفة الغربية ، وهي في ظننا أحداث مرتبطة تماماً بتحرك القوات غرباً، ماذا اذاً في الأسباب والدلالات؟
لاشك أن الأردن الذي يستقرء المشهد بعمق يمتلك من المعطيات مايفيد باقتراب المخطط الصهيوني من بدء نسخته المخصصة للضفة الغربية ، والتي تقع أصلاً في صلب مشروعه ، ولعل بعض دلائل ذلك واضحة جلية ، حيث تتزايد خطوات التصعيد في الضفة بدءً بالاقتحامات الليلية المتكررة لمعظم المدن والمخيمات ، وتزايد أعداد شهداء الضفة التي قاربت 220 شهيداً من بدء العدوان على غزة ، وترتفع أعداد المئات من الأسرى ، وتتسارع عمليات القصف والتجريف وهدم المنازل، فيما يستمر تسليح مئات الآلاف من المستوطنين الذين يعيثون تخريباً وقتلاً ويعيقون أبسط سبل الحياة في إطار مخطط التضييق المفضي إلى تهجير ناعم ماقبل بدء الحرب على الضفة في إطار التهجير القسري ، سيما مع حديث صهيوني متكرر عن مستقبل السلطة الفلسطينية ودورها وشكلها مابعد غزة! ، وفيما يُرصد بوضوح تفاعل صفحات صهيونية نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي تهدد أهالي الضفة وتدعوهم صراحةً للمغادرة نحو الأردن .
في إطار كل ماسبق وغيره الكثير يمكن قراءة الاستنفار الأردني تجاه الضفة الغربية على قاعدة استقراء القادم واستباق الحصار والتضييق من خلال تقديم مايلزم لضمان صمود أهلنا هناك في حال بدء العدو مخططه تجاههم ، وهو ماتوّج أخيراً في الحضور العسكري على الحدود ، في رسالة كبرى لكيان الاحتلال ان مواقف الأردن تتجاوز التحذير ومسارات الدبلوماسية إلى اتخاذ كل مايلزم في مواجهة ماهو قادم على فلسطين والأردن .
ورغم أن كثيراً من الاستعصاءات والمحاذير لازالت تحيق بالأردن وموقفه في ظل صمت دولي ومباركة غربية وغياب مطلق للفعل الروسي او الصيني ، وتعثر الجهود لتوحيد الصف العربي الذي يعاني ضعف بعض أطرافه وتحيّز بعضها للمقاربة الأمريكية يبقى خيار الأردن الثابت هو المواجهة ، مايستلزم توحيد كل الجهود والرهان على مؤسسات الدولة وجيشها وأجهزتها الأمنية وعلى الوعي الشعبي المتصاعد الذي بدأ في إدراك مخاطر الواقع ويتخذ مواقف صلبة خلف الدولة ومواقفها عماده مواجهة التحديات وتمتين الجبهة الداخلية واستخلاص الدروس وصولاً إلى التجبيه حول مشروع وطني متين يلبي متطلبات اللحظة ويسهم في تحديد المهام ومحاصرة المشككين والانتقال من مرحلة الانتظار إلى مرحلة المشاركة الشعبية الحقيقية .
لاشك أن الدولة ومؤسساتها سترحب بكل إسنادٍ شعبيٍ يليق بحجم التحديات، وتحتاجه، ولعلها تفترض في النخب والمؤسسات الشعبية أن تضطلع بدورها الإعلامي والتوعوي الوطني الذي يشكل اليوم صمام أمان ، سيما وأن متانة جبهتنا الداخلية والتفافنا حول الدولة وقيادتها وقواتها المسلحة ليس ترفاً اليوم ولا بد أن يغادر منطق الخطاب إلى مربع الاستعداد للتضحية والذود عن الوطن ، كلٌ بقدر استطاعته وموقعه ،
هي مرحلة مواجهةٍ اذاً .. ولاشك أن الأردنيين أهلٌ لها.



















