+
أأ
-

إخوان مصر على هدي إخوان الأردن

{title}
بلكي الإخباري مهند مبيضين

ربما لأول مرة تستنسخ تجربة إخوانية من خارج مصر لتحيل الواقع الإخواني في مصر إلى شتات أفراد وجماعتين تتنازعان الشرعية والدور والموارد والخيرات، وهذه الحالة المصرية سبقتها حالة أردنية، فأصبح في الأردن جماعة مرخصة بالقانون -وعلى الأرجح وحسب الاحكام القضائية ستؤول إليها كل الأملاك- وجماعة أخرى خلاصية تبحث عن دور لها بناء على إرث قديم لكن خارج القانون وخارج الدولة، لا بل ترى هذه الجماعة أنها مستهدفة من الدولة التي ترفض وجودها وتتربص منها.

في مصر بلغت الأزمة الداخلية التي عصفت بجماعة الإخوان المسلمين ذروتها أيضاً، بعد قرار مكتب الجماعة في لندن الإطاحة بالمتحدث الإعلامي باسم الجماعة محمد منتصر، من مهمته كمتحدث إعلامي باسمها، وتعيين متحدث آخر هو طلعت فهمي بدلاً منه، ومحمد منتصر هو الاسم الحركي والذي كشف سابقاً أنه للقيادي الإخواني البارز جمال عبدالستار.

لكن الإقالة لم تطل محمد منتصر وحده بعد التحقيق معه بشأن بعض التصريحات والبيانات التي صدرت عنه خلال العام الماضي، بل أعلنت الجماعة لاحقاً إقالة كل من مسؤول قسم الطلاب ومسؤول اللجنة الإعلامية وتجميد عضويتهما، بالإضافة إلى تجميد عضوية الدكتور محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، وذلك بعد التحقيق معهم بشأن بعض القرارات التي صدرت عنهم خلال العام الماضي. لكن هل المسألة حرب خروج على شورى الجماعة وتصريحات في غير مصلحة الجماعة هي التي أدت لهذه الوضعية أم لا؟ وكيف كان التعامل مع موقف الانقسام في حالتيه الأردنية والمصرية؟

في الأردن كان الانقسام مبكراً في أواخر عام 2012 حين أعلنت نحو 50 شخصية من الجماعة عن إطلاق مبادرة للإصلاح بعنوان «التجمع الأردني للبناء»، أو ما بات يُعرف لاحقاً بـ «مبادرة زمزم». ويومها نفت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وعلى لسان الأمين العام لحزب «جبهة العمل الإسلامي» ـ الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الأردن ـ حمزة منصور والذي قال يومها: «إن المبادرة لا يمكن أن نسميها «انقساما»، واعتبرها عملاً شبيها بعمل مؤسسات المجتمع المدني».

كان ذلك التصريح المبسط لتفسير الخلاف هو بداية الهاوية للجماعة؛ لعدم إدراك شيوخها الكبار لما يجري، وهو ما مثّل بداية لربيع إخواني أبت الجماعة التاريخية في الأردن وحزبها السياسي الإقرار به، وهو انقسام أضحى اليوم واقعاً متجذراً، ومثلّ الانقسام خيار الوجوه الشبابية التي عصفت بها رياح التغيير وأدركت أن الجماعة الأم لم تعد وطنية الطرح وأنها فارقت الخيار الوطني فلاذ الشباب بإطار جديد اسمه «زمزم»، والذي مثل عاصفة داخل البيت الإخواني الأردني، ثم انقسمت بعده الجماعة اليوم إلى جماعتين واحدة بزعامة المراقب العام السابق عبدالمجيد الذنيبات والذي بادر لترخيص الجماعة وفق القانون وانتخب مراقباً عاماً في حزيران 2015، وأصبح هو الشرعي والقانوني، والذي ستؤول إليه أملاك الجماعة، وهناك جماعة أخرى بزعامة المراقب العام همام سعيد الذي يحسب على تيار الصقور والذي يواجه اليوم استقالات داخلية وانقلاباً شبابياً على طرحه المتصلب ضد الدولة. وفي محصلة الوضع الأردني باتت الجماعة اليوم أكثر انقساماً.

هذه الوضعية لدى إخوان الأردن توقع بعضهم أنها ستنتقل إلى مصر، وقيل من داخل التيار المتشدد لدى الإخوان أن مصر أوفدت من اطلع على المشهد الاردني في التعامل مع الإخوان، وأنها نُصحت باتباع النهج الذي حدث في الأردن، بأن تركت الدولة الجماعة لشقاقها واختلافها ووقفت على الحياد منه، وأن من يذهب للترخيص وفقاً للقانون هو من سينال الحق بالاسم وبالتالي المركز القانوني للأموال والتركات والأملاك.

في مصر يبدو أن الانقسام بات واقعاً داخل حركة الإخوان المسلمين، انقسام يطل فيه بعض الإخوان من الدول الغربية باعتبار أنهم مطاردون، وثمة قسم آخر منهم وراء السجون، مما يجعل الوضع في مصر اكثر عرضة للتجذر ومما يجعل تدارك الخلافات أمراً غير ممكن الحدوث.

إذن، فالانقسام ليس كما أعلن في مصر، ولا يمكن القول إن تغيير ناطق إعلامي للجماعة هو العنوان الأبرز له، بل ثمة مراكز قانونية وأموال يجري انتقالها، وثمة شباب متروك بلا قيادة وتوجيه، وتنظيم بلا رأس، فصار الصراع ظاهراً بشكل لافت، وإذ انقسمت مواقف المكاتب الإدارية للإخوان بين مؤيد ورافض لقرار تغيير الناطق الإعلامي محمد منتصر او جمال عب الستار، إلا أن جماعة الإخوان تشهد اليوم في مصر أزمة داخلية بين تيارين، لا يمكن أن يلتقيا.

لكن أزمة إخوان مصر مختلفة عن نسختها الأردنية، ففي مصر ثمة قادة مطاردون وهناك من هو خلف القضبان، وفي عام 2013 بدت الأزمة بشكل جلي حينما تشتت مكتب الإرشاد بين معتقل وفار من العدالة، وآنذاك جرى الاتفاق بين مجموعة من القيادات الإخوانية على تشكيل لجنة عليا لقيادة الجماعة في ظل الظروف التي خلقتها العملية السياسية في مصر بعد سقوط حكم محمد مرسي.

في تعامل شيوخ الإخوان مع وقائع الانقسامين تشابه كبير، فمحمود حسنين الأمين العام للجماعة الذي صدرت له تصريحات إعلامية عبر قناة الجزيرة السبت الماضي وأكدّ فيها أنه لم تحصل انتخابات وأن القيادة الشرعية لا تزال هي من تدير الجماعة. والتي أصر فيها على وجوده الشرعي وعلى شرعية الجماعة التاريخية، يمكن مقاربتها مع التصريحات التي تبادلها إخوان الاردن حين جرى الانقسام ومن نفس المنبر قناة الجزيرة حين اطل المراقب العام لإخوان الأردن د. همام سعيد في أيار 2015 ليقول في تعليقه على ترخيص الحكومة لجمعية جديدة بقوله: «الجسم الأكبر من الجماعة يبقى ضمن الجسم الشرعي لها ومع القيادة الشرعية... والجماعة مستهدفة من بعض الأجهزة في الدولة، والتي تنظر إلى الجماعة على أنها تهديد، والسبب هو أن الجماعة تعبر عن آراء مئات الآلاف ولها حضورها في أي مفصل انتخابي»، وأشار إلى نتائج الانتخابات في النقابات والاتحادات الطلابية..

هذا هو العقل الإخواني ستاتيكي يرفض التغيير، ويركن إلى الثبات وعدم الايمان بالتحولات أو التكيف السياسي مع الوقائع، وهو في مصر لا شك أنه يعيش أزمة خانقة قد تعيد الحسابات في مناطق أخرى لا يمكنها أن ترى ما يراه شيوخ الإخوان في حالة انقسامهم وفرقتهم فتبقى الجماعة في حالة انتظار؟ لكن هذا الانتظار قد يتحول إلى عمل سري لدى الشباب وبالتالي الى عمليات عنف جديد!