نحو شراكة إستراتيجية أردنية إماراتية في قطاع المياه

م. إياد الدحيّات
يُولي جلالة الملك عبدالله الثاني (حفظه الله ورعاه) التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة أهمية قصوى بعد مرور عامين على إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي، والتي تمثل خريطة طريق نحو بناء اقتصاد منيع ومتنوع ومرن ونموذجاً اقتصادياً يراعي روح الإبداع والريادة والحداثة في كافة مؤسسات القطاعين العام والخاص. وتهدف هذه الرؤية إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى 58 مليار دينار وجذب استثمارات وتنفيذ مشاريع شراكة مع القطاع الخاص بقيمة 30 مليار دينار خلال السنوات العشر المقبلة، ويتطلّب ذلك الانفتاح على كافة البلدان الشقيقة والصديقة لزيادة التعاون الفني والاستفادة من التطوير الصناعي والتكنولوجي والخبرات في تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى وإدارة المرافق الخدماتية العامة
وفي هذا السياق، تعتبر مذكرة التفاهم الاقتصادي الموقعة مؤخراً ما بين الأردن والإمارات ثمرةً للتعاون الاقتصادي والشراكة الإستراتيجية، حيث تمّ الاتفاق على تنفيذ مجموعة من خطط التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري المشتركة، لتطوير البنية التحتية وتشجيع الابتكار وبهدف خلق تأثير مستدام على الاقتصاد والمساهمة في التنمية المستدامة للمملكة. وحيث إن قطاع المياه يساهم في تعظيم النمو الاقتصادي وتحسين نوعية حياة المواطنين، تبرز أهمية بناء وتأسيس شراكة وخطط للتعاون فيه بين البلدين، لتنفيذ ثلاث برامج رئيسية مترابطة، وهي تطوير فرص الاستثمار المنبثقة عن مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه، ودعم المشاريع الوطنية لتخفيض فاقد المياه، وتنفيذ مشاريع استصلاح ومعالجة مياه الصرف الصحي بهدف استخدامها في تعزيز الأمن الغذائي وحماية البيئة. ومن المهم أن يتم تنفيذ هذه البرامج من خلال خطة عمل زمنية مع مؤشرات أداء وتشكيل فرق عمل مشتركة ذات رؤية واضحة لتسريع عملية التنفيذ، بحيث تكون مسؤولة عن تحقيق الأهداف وفق الخطة الموضوعة.وأول برامج هذه الشراكة تطوير فرص استثمارية من مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه والذي يتضمن بناء ثالث أكبر محطة تحلية في العالم لتوفير 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. ومن أهم هذه الفرص تشييد مصنع متخصص لتصنيع أغشية تكنولوجيا التناضح العكسي التي تمثّل اليوم إحدى أهم مكوّنات صناعة التحلية في العالم، والتي يجب استهداف توطينها لكونها منتجاً أساسياً واستراتيجياً سيتم استخدامه في محطة تحلية المشروع، ولخلق قيمة صناعية جديدة تسهم في دفع عجلة النمو والتنوع الاقتصادي، حيث أصبح التوسع في مشاريع التحلية خيار الأردن الاستراتيجي طويل الأمد والحل الدائم للتغلب على تحدي ندرة ونقص المياه، حال العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي بدأت كذلك في تنفيذ هذا الخيار. كما يمكن الاستثمار في المخلّفات الناتجة عن عملية تحلية مياه البحر (Brine) بدلاً من طرحها في خليج العقبة كما هو الحال في تصميم المشروع. ويكون ذلك من خلال إنشاء مصانع تقوم بعمليات استخلاص ومعالجة للمعادن والأملاح من هذه المخلّفات وتوظيفها للاستثمار التجاري بدلا من طرحها دون أي فائدة، التي من أهمها المغنيسيوم والليثيوم والبوتاسيوم والصوديوم والكلوريد والبرومين والجبسين والبريليوم، والتي تستخدم في الصناعات العسكرية والكيماوية والطبية والغذائية والأسمدة والأدوية والبطاريات وغيرها. ويتطلّب تنفيذ هذا البرنامج البدء في إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية بالتنسيق مع مطوّر مشروع الناقل الوطني بعد الإنتهاء من كافة اجراءات تقييم عرضه الفني والمالي، مع ضرورة الالتزام بالجداول الزمنية والتواصل الإعلامي المستمر حول تقدّم سير العمل بالمشروع والفرص الاستثمارية مع كافة الشركاء.وحيث إنه سينتج عن استهلاك كميات مياه مشروع الناقل الوطني أكثر من 240 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي في محافظتي العاصمة والزرقاء، تبرز الحاجة للسير قدماً في تنفيذ البرنامج الثاني وهو منظومة الصرف الصحي التي تشمل شبكات للصرف الصحي ومحطة مركزية جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي تعمل بتكنولوجيا المعالجة الثلاثية وبأحدث الوسائل والمرافق المتطورة والتقنيات الحديثة لخلق بيئة صحية خالية من الأوبئة والأمراض وإنتاج مياه صرف صحي مستصلحة لإعادة الاستخدام في وادي الأردن، وزيادة إجمالي رقعة الأراضي المزروعة التي من شأنها تعزيز الأمن الغذائي وزيادة فرص التصدير وخلق فرص عمل جديدة، وتوفير دخل مالي للمجتمع المحلي وتشغيل الشباب في منطقة وادي الاردن. ويشمل ذلك إنشاء محطة مركزية جديدة لمعالجة الصرف الصحي تولّد الطاقة المتجددة من غاز الميثان ويتم فيها إنتاج السماد من رواسب الصرف الصحي الذي سيستفاد منه في زيادة خصوبة التربة. ويمكن تنفيذ شبكات الصرف الصحي تحت الأرض باستخدام تكنولوجيا (الأنفاق المبتكرة)، التي ستضمن خلال فترة تنفيذ المشروع التقليل من الأضرار الإنشائية على سطح الأرض بما فيها الطرق، وعوائق المرور، وغيرها من المرافق، والتخفيف من الطاقة الاستيعابية الزائدة من مياه الصرف الصحي وتلبية الزيادات المتوقعة من مياه الصرف الصحي القادمة من مناطق التنمية الجديدة والناتجة عن الزيادة السكانية.أما البرنامج الثالث فهو يتعلق بفاقد المياه الذي ما يزال يشكل تحديّا كبيراً في قطاع المياه. وتبرز أهمية الإسراع في تنفيذ مشاريع لتخفيض نسبته بشكل متواز مع تنفيذ مياه مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه، حيث إن مسؤولية مطوّر المشروع ستكون إيصال المياه لخزانات المياه الرئيسية فقط في حين يكون توزيع هذه المياه وتخفيض نسبة الفاقد مسؤولية وزارة المياه والري وشركات المياه الحكومية التابعة لها. ومن المتوقع، حسب اشتراطات العطاء الفنية والمالية، أن تبلغ كلفة مياه مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه دينار ونصف للمتر المكعب الواحد (بالقياس مع مياه مشروع مماثل وهو جر مياه الديسي والذي تبلغ كلفته دينار واحد للمتر المكعب الواحد)، وبالتالي ستكون الكلفة السنوية لأثمان المياه التي سيتم دفعها لمطوّر المشروع من قبل وزارة المياه والري 450 مليون دينار سنوياً. في حين ستكون إيرادات وزارة المياه والري بعد توزيع مياه مشروع الناقل الوطني 130 مليون دينار ناتجة عن بيع 150 مليون متر مكعب من مياه الناقل الوطني البالغة 300 مليون متر مكعب (بناء على نسبة فاقد المياه الحالية وهي 50 %)، مضروبة في معدل سعر بيع المياه لكل متر مكعب حسب تعرفة المياه الحالية وهو 87 قرشاً. وعليه يكون صافي العجز المالي السنوي المتوقع بعد تشغيل المشروع 320 مليون دينار يضاف للعجز المالي الحالي والبالغ 330 مليون دينار، ليصبح إجمالي العجز المالي لقطاع المياه ما يزيد على 650 مليون دينار سنوياً.وعليه يجب العمل على تخفيض هذا الفاقد بالاستفادة من التجربة الناجحة لهيئة مياه وكهرباء دبي في تنفيذ الأنظمة الذكية والذكاء الاصطناعي بما فيها مفاهيم نظام الشبكات الذكية وإدارة التوزيع الذكي، حيث يمكن تطبيقها في شبكات المياه في محافظات العاصمة والزرقاء وإربد الأعلى استهلاكاً من كميات المياه وبنسبة الفاقد منه. ومن أهم محاور هذا النظام إدخال البنية التحتية المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات التقنية لشبكة المياه، والتشغيل الآلي لها من خلال أجهزة الاستشعار وأدوات التحكم والتطبيقات على مستوى العمل الفعلي لتنظيم عمليات خطوط النقل وشبكات التوزيع، والتركيز على مراقبة شبكة المياه وأتمتتها وتحسينها، واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لكشف فاقد المياه وإصلاح الشبكات وكشف الاعتداءات، واستخدام العدادات الذكية التي تعمل بالتناسق مع مركز للتحليل والتشخيص بحيث تكون غاية هذه العدادات ليس الجباية فقط، بل لتشجيع المشتركين على توفير المياه من خلال استخدام علوم الكفاءة السلوكية، حيث يتيح لهم مراقبة استهلاكهم للمياه مع استهلاك المنازل المماثلة ذات الكفاءة العالية في منطقتهم واتخاذ خطوات إيجابية لإدارتها وكشف التسربات داخل المنازل والذي يقع ضمن مسؤولية المشتركين. وتمهيداً لتنفيذ هذه البرامج الهامة، يجب مأسسة هذه الشراكة الأردنية الإماراتية الإستراتيجية في قطاع المياه لتكون مسؤولة عن تنفيذ هذه البرامج الاستثمارية كخطوة أولى من التعاون المشترك، والتي ستعم فائدتها الاقتصادية على جميع المحافظات، ولتكون حاضنة لتشجيع الابتكار من خلال إشراك شركات أردنية صغيرة ومتوسطة الحجم تشغّل الشباب الأردني، وتساهم في خلق الفرص وإيجاد الحلول وتطوير التكنولوجيا وتنفيذ الأعمال المطلوبة، مما يحقق أثرًا ايجاباً مستداماً على الاقتصاد الأردني لإنجاز أهداف رؤية التحديث الاقتصادي


















