ربى عياش : أن تكون الحرب أو لا تكون !

لا زلنا نتساءل إن كانت ستقوم القيامة قريبًا في الشرق الأوسط أم لا، أو إننا على شفا الانزلاق إلى الهاوية، وكأننا لسنا في قعر الجحيم الآن! ولكن، كيف سيكون شكل الحرب أفظع مما نشهد الآن؟ طبعًا هناك أفظع.. عام 1945 ألقت الولايات المتحدة، ببرودة دماء، قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي. الولايات المتحدة التي لم تُحاسب على الفظائع التي ارتكبتها حينها. المشهد كان كالتالي؛ ذاب الأشخاص ولم يتبق من بعض الأفراد سوى ظلهم. أتفهم ما أقول؟ أتتخيل؟ إنسان بأحلام وطموحات وحصيلة فكرية وقيمية وعقلية وبتاريخ حافل لا يتبقى منه سوى “ظل”. وكأنما لا قيمة للفرد. تتساءل وجوديًا: أين يذهب الإنسان بروحه وجسده وأفكاره وأفعاله؟ أين يتبخّر ويتم شطبه من حسابات الكون بلحظة؟ في تفجير قنبلة ذرية، يصبح الإنسان سرابًا وكأنه لم يكن.
في شواهد كثيرة من التاريخ البشري كان الإنسان يأكل الإنسان إن جاع، وينكّل بالجثث بشكل مرعب. كان الأوروبيون في جولاتهم في أقاصي البحار يجلبون أفرادًا من عشائر وقبائل مختلفة يتم وضعهم في حديقة إنسان على وقع وسجع حديقة حيوان، وكأنهم أشياء غريبة مثيرة للدهشة للنظر والتسلية. ثم ماذا؟ ثم تم استعباد أهل قارة أفريقيا، وتمت أكبر عمليات جلب لعبيد من القارة الأفريقية إلى الولايات المتحدة. وكانت سنوات طويلة من التمييز والتفرقة والاستعباد. إذا، يا لسذاجة السؤال، هل هناك أفظع مما نشهده في الشرق الأوسط؟ يقول التاريخ: بلى، يوجد طبعًا.
ما المشاهد التي علينا أن نشهدها أكثر مما نشاهد ليصل هذا العالم إلى مراده؟ أكرر، لماذا هذا الحرص على الاستثمار في الكره والخراب؟ ما الحرب التي تُرضي الأطراف المتنافسة في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ وما المشهد الذي يُرضي سيموتريتش وبن غفير ونتنياهو؟ ما المشهد الذي يجعل إيران تنام في مهدها مُطمئنة؟ أيّ واقع يريدون تعزيزه، وأيّ أهداف اتفقوا في اللاوعي الصامت على تحقيقها؟
في الاقتصاد هناك ما يُسمّى تكلفة الفرصة الضائعة، وما يحدث منذ قرابة عام هو استنزاف لكل الفرص الضائعة، كان من الممكن استثمار هذا العام في بناء دول بدلًا من تحويلها إلى ركام لتقوية النظام التعليمي بدلًا من سحقه وتجهيل الأجيال. كان من الممكن العمل على ضمان وصول الخدمات الصحية لأكبر شرائح ممكنة بشكل أفضل، لا أن ينفد الدواء ويستفحل الداء. كان من الممكن الاستثمار في الأفراد والأرض والأموال بما يضمن معالجة التغيرات المناخية مثلا، استصلاح الأراضي، تخفيف حدة التحديات الاقتصادية، مساعدة الشباب بتحقيق أحلامهم، توفير فرص أكبر، الاستفادة من زهرة أفكارهم وإبداعهم. وأن نساعد في إيجاد إعلام واعٍ مثقف يبني عقولًا وينشر حكمة لا يغذي كراهية وغضبًا وسخطًا ولا يُحاول تعزيز الجهل والرعب والإرهاب.
كان من الممكن أن يكون الواقع أفضل، لو لم يتم دعم دعاة الرعب في كل مكان خلال العقود الماضية، لو تم وضع الأشخاص الصحيحين في المفاصل الإدارية الصحيحة، لو حاول السياسيون العمل لصالح الإنسان وللمصلحة العامة مثلا، ولو صمت دعاة الرعب والحرب ووقف العالم في مراجعة ذاتية أخلاقية ورفض أن يُهان إنسان. لكن: كل ما حدث عكس ذلك.
ما حدث هو الحرص على خلق “ديستوبيا” الشرق الأوسط



















