الالتزامات المناخية.. كيف يفي الأردن بتعهداته الدولية؟

عمان – لن يكون الأردن بمنأى عن "تعرضه" "لعقوبات" قد "تُفرض" عليه مستقبلاً نتيجة عدم وفائه بالتزاماته المُناخية وبموجب اتفاق باريس الذي وقع عليها سابقاً، وبعد تعرضه "لمحاكمة دولية" من قبل أي دولة أو جهة كانت، وفق قانونيين.
هذه العقوبات قد تأتي بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولي الأربعاء الماضي، رأيا استشاريا حول التزامات الدول بشأن تغير المناخ، حيث قضت في فتواها بأن الدول ملزمة بحماية البيئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالعمل بالعناية الواجبة والتعاون للوفاء بهذا الالتزام.
ورغم أن الرأي لا يعد "ملزماً" برأي قانونين، لكونه يتطلب وجود آليات قانونية لتطبيقه، مثل إنشاء محاكم وطنية، أو غرفة تحكيم بيئية متخصصة في محكمة العدل العليا، لكن ذلك لا يعني أن الأردن والدول غير ملزمة بالوفاء بتعهداتها بموجب اتفاق باريس.
ويشمل ذلك الالتزام بحصر ارتفاع درجة الحرارة في حدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وقضت المحكمة، التي تتخذ من مدينة لاهاي في هولندا مقرا لها، أيضا بأنه في حال انتهاك الدول لهذه الالتزامات، فإنها تتحمل مسؤولية قانونية، وقد يُطلَب منها التوقف عن السلوك غير المشروع، وتقديم ضمانات بعدم التكرار، ودفع تعويضات كاملة، حسب الظروف.
لكن القانونين أكدوا أن فرض العقوبات وتحويل الرأي ليكون "ملزماً" لا "مفسراً" فقط للقوانين، أن يتم العمل مع "مجلس الأمن" لاتخاذ تدابير وقرارات معينة تضمن تنفيذ الدول لالتزاماتها.
ضرورات التعويض
وفي رأي أستاذ القانون الدولي في جامعة العلوم الإسلامية العالمية د. عبد السلام هماش فإن “إيقاع عقوبات القانون الدولي ترتبط بحالتين تتمثلان بوجود التزام دولي محدد إما بشكل ثنائي، أو جماعي.”
ولفت هماش إلى أن “محكمة العدل الدولية قامت سابقا بمثل هذه الخطوة، والمتمثلة بفرض عقوبات على إحدى الدول، باعتبار أنها خرقت التزام واضحاً ومحدداً متفقا عليه.”
وبين أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يتضمن تحديدا لمبدأ أساسي انطلق من "الصفة العرفية" إلى "السابقة القضائية"، ما يقضي بضرورة "التعويض" عن "الضرر البيئي" الناتج من الدول المسببة بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
لكنه أشار إلى أن الرأي الاستشاري "يفسر موقف القانون"، ودون أن يكون "إلزامياً" لأي دولة كانت، لكنه يحمل توجها دوليا واضحا بأن الدول التي لا تفي بتعهداتها "ملزمة بالتعويض" عن "خرقها لاتفاق باريس".
وأما عن آلية تطبيق هذا الرأي، فأوضح هماش أن ثمة محاولات سابقة دولية بذلت لإنشاء غرفة ثابتة في محكمة العدل الدولية، متخصصة بالقضايا البيئية، إلا أنها لم "تنجح"، وذلك "لعزوف" الدول عن اللجوء إليها "للنظر" في مثل هذا النوع من القضايا.
والحل يكمن من أجل تطبيق هذا الرأي، بإيجاد "منظمة دولية متخصصة"، أو "غرف تحكيم متخصصة" في القضايا البيئية "العابرة للحدود"، والمرتبطة بين الدول، بحسبه.
ومن الحلول الأخرى، التي اقترحها هماش، "إيجاد غرف قضائية تحكيمية إقليمية للنظر في مثل هذه القضايا البيئية".
وفي الوقت ذاته استبعد هماش أن تكون هنالك أي "عقوبات" تفرض على "الأردن" نتيجة هذا الرأي الاستشاري، لأنه غير موجه بشكل مباشر نحوه وبصفته الرسمية، ولأن الالتزام باتفاق باريس من قبل المملكة مشروط بتوفر التمويل الدولي.
لكن "الخطورة" تكمن، وفق قوله، بأن هذا الرأي قد "يسمح" في المستقبل لأي دولة، أو أي جهة متخصصة، "بمقاضاة" الحكومة الأردنية عن عدم "تنفيذ" التزاماتها الدولية.
الاستشارات والسلطة الأخلاقية
ويسمح ميثاق الأمم المتحدة للجمعية العامة، أو مجلس الأمن بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، ورغم أن الآراء الاستشارية غير مُلزمة، إلا أنها تحمل سلطة قانونية وأخلاقية كبيرة، وتساعد في توضيح وتطوير القانون الدولي من خلال تحديد الالتزامات القانونية للدول، وفق المحامية المتخصصة بقضايا وتشريعات البيئة، وعضو مجلس إدارة الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية إسراء الترك.
ولفتت الترك إلى أن هذه تعد أكبر قضية تنظر فيها محكمة العدل الدولية على الإطلاق، كما يتضح من عدد البيانات المكتوبة والتي بلغت 91، والدول التي شاركت في المداولات الشفوية، ووصل عددها إلى 97 دولة.
وبينت أن الرأي الاستشاري إذ كان صادرا بسبب أن دولة ما طلبت من المحكمة ذلك، وفي مسألة معينة، فإن الرأي "لا يعد ملزما"، ويبقى في "إطاره الاستشاري".
ولكن، في رأيها، عند الحديث عن ظاهرة تغير المناخ، والمؤتمرات المُناخية التي انعقدت لسنوات ماضية، وبلغت تكلفتها مليارات الدولارات، "ولم ينتج عنها شيء"، فلا مجال عندها إلا صدور قرار من محكمة العدل الدولية مماثل لرأيها الاستشاري.
ومن أجل تطبيق الرأي على أرض الواقع، لا بد من اتخاذ آليات معينة لإلزام الدول بالبدء بتطبيقه، من بينها "لجوء المحكمة لمجلس الأمن"، و"إحالة الرأي اليه"، والذي بدوره يقوم باتخاذ تدابير وقرارات معينة تضمن تنفيذ الدول لالتزاماتها، بحسبها.
ولا بد، وفق قولها، أن يتم تطبيق هذا القرار بصورة تدريجية من حيث المكان والزمان، والأولوية للدول الصناعية الملوثة.
ولأن سمة التغيير في التشريع البيئي تقوم على مبدأي التعاون والمشاركة، أكثر من فكرة الالتزام التقليدية، فلا بد من وجود توجه لتغيير نهج الدول الاستثماري والاقتصادي، الذي تعتمد عليه بشكل أساسي، وفق الترك.
ومن أجل تطبيق الرأي الاستشاري اقترحت الترك إنشاء محكمة ذات الاختصاص بموضوع البيئة، وتأهيل قضاة وطنيين، وكذلك محامين، مع استحداث مساق أكاديمي عملي لهذه الغاية في الجامعات.
ورغم أن العقوبات التي أشار اليها الرأي الاستشاري قد لا تمس الأردن، لكن الترك شددت على أن منظومة تقييم الأثر البيئي بحاجة إلى إعادة نظر، مع رفع عدد الكوادر البشرية المؤهلة.
ولا بد أن يرافق ذلك، في رأيها، إيجاد نظام "رقابة فعال" على مستوى المملكة، ويكون "مستداما وحازما وشفافا" على كافة المشاريع التي تمنح الرخص















