+
أأ
-

الفرح بالرصاص: مزاودة خطيرة على هيبة الدولة

{title}
بلكي الإخباري


 

كتب الناشر - في كل مرة نسمع فيها عن إطلاق عيارات نارية ابتهاجًا بنجاح أو مناسبة سعيدة، لا يمكننا أن ننظر إلى الأمر باعتباره مجرد "تقليد اجتماعي" أو "فرحة زائدة عن الحد". هذه الظاهرة، التي تتكرر للأسف بشكل مخيف، هي مؤشر خطير يحمل في مضمونه رسالة واضحة: إن الأردن، في نظر مطلقي الرصاص، ليس دولة مؤسسات قادرة على فرض القانون، بل هو ساحة صراع مفتوحة يمكن فيها استعراض القوة وإثبات الوجود خارج إطار القانون.
 

إطلاق العيارات النارية ليس مجرد فعل فردي طائش. إنه سلوك يحمل في طياته تحديًا سافرًا لهيبة الدولة وسلطتها. عندما يخرج الفرد ليعبر عن فرحه بسلاح ناري، فإنه في الواقع يبعث برسالة مفادها أن القانون لا ينطبق عليه، وأن سلطته الخاصة أو عاداته تفوق سلطة الدولة. هذه المزاودة على الدولة هي التي تفتح الباب أمام الفوضى، وتجعل من الفرح مناسبة للخوف والهلع بدلًا من أن تكون مناسبة للسعادة والاحتفال.
 

إن أخطر ما في هذه الظاهرة هو أنها تعكس تراجعًا في منظومة القيم الاجتماعية، وتغذي شعورًا باللامبالاة تجاه أرواح الآخرين. فكل رصاصة تُطلق في الهواء، لا تذهب سُدى. هي تسقط في مكان ما، وقد تنهي حياة بريئة، أو تصيب طفلًا، أو تُفجع عائلة. لقد دفع مجتمعنا ثمنًا باهظًا لهذا السلوك الأرعن، وما زلنا نسمع عن ضحايا يسقطون بشكل مستمر.
 

الدولة الأردنية، بكل مؤسساتها الأمنية والقضائية، بذلت جهودًا كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة، وأصدرت قوانين رادعة للحد منها. لكن هذه القوانين تبقى حبرًا على ورق ما لم تترافق مع وعي مجتمعي حقيقي ومسؤول. لا يمكن للدولة أن تكون في كل مكان لمنع هذا الفعل، وهنا يأتي دور المجتمع في رفضه ونبذه.


فالأردن ، بقيادته الحكيمة ومؤسساته العريقة، دولة قانون ومؤسسات. وهذه الحقيقة ليست شعارًا يُرفع، بل هي منظومة يجب أن تتجلى في سلوك كل فرد. الفرح الحقيقي هو الفرح الذي لا يهدد حياة الآخرين، والاحتفال يجب أن يكون فرصة لتعزيز قيمنا الإنسانية والاجتماعية، وليس فرصة لاستعراض القوة على حساب أمن وسلامة المواطنين.
 

لذا، يجب علينا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا. على الأهل أن يربوا أبناءهم على احترام القانون، وعلى وجهاء العشائر والمجتمع أن يقفوا بحزم ضد هذا السلوك، وعلى كل مواطن أن يرفض هذا الفعل ويبلغ عنه. لأن الفرح بالرصاص ليس إلا مؤشرًا خطيرًا على أن الأردن قد يتحول، لا سمح الله، إلى ساحة صراع، وهذا ما يجب علينا جميعًا أن نرفضه ونقاومه.