+
أأ
-

لماذا تخسر الجامعات الحكومية بينما تربح الجامعات الخاصة؟

{title}
بلكي الإخباري


 

كتب الناشر - لماذا تخسر الجامعات الحكومية وتربح الخاصة ؟  سؤالٌ لا يبدو بسيطاً في ظاهره، فالمعادلة الاقتصادية تبدو متناقضة للوهلة الأولى. قد يظن البعض أن الإجابة تكمن في الرسوم الدراسية المدعومة أو في حجم الكثافة الطلابية، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. إنها حكايةٌ عن الفلسفة التي تحكم كل كيان، وعن الروح التي تُدير المؤسسة.
 

الجامعة الحكومية، تُعدّ كياناً مجتمعياً بامتياز. هدفها ليس الربح، بل تقديم المعرفة للجميع، لتكون منارةً للعلم دون شروط مادية. وهذا الدور النبيل، الذي يُلزمها بتقديم رسوم رمزية، يضع على عاتقها أعباءً ماليةً ضخمة. لكن هذا ليس بيت القصيد. فالخسارة لا تولد فقط من قلة الإيرادات، بل من غياب الرؤية. تُدار هذه المؤسسات أحياناً بعقلية البيروقراطية الحكومية، حيث القرارات لا تأتي من رحم الخبرة الأكاديمية أو الإدارة المستقلة، بل من أعلى هرم السلطة.
 

وهنا تكمن المأساة الحقيقية. عندما يأتي رئيس الجامعة بتعيينٍ من خارج أسوارها، لا لخبرته في الإدارة الأكاديمية أو رؤيته للمستقبل، بل لكونه جزءاً من منظومة سياسية، يصبح الكرسي غايةً لا وسيلة. هذه التعيينات التي تفتقر إلى الكفاءة، تُثقل كاهل الجامعة بقرارات غير حكيمة، وبتعيينات إضافية مبنية على الواسطة لا الجدارة. فتتورم الأجهزة الإدارية، وتتضخم فاتورة الرواتب، ويُصبح الأداء محكوماً بالرغبات الشخصية لا بالأهداف الاستراتيجية للمؤسسة. إنها ليست مجرد خسارة مالية، بل هي خسارةٌ في الروح، في الفعالية، وفي القدرة على المنافسة.
 

على الجانب الآخر، تعمل الجامعات الخاصة بمنطق مختلف تماماً. هي كائن اقتصادي وُلد ليحقق الربح، فتكون الإدارة فيه على قدر المسؤولية. تُتخذ القرارات المالية والإدارية بحكمة، وتُوجه الموارد نحو الأقسام الأكثر ربحية، وتُقنن النفقات لضمان الاستمرارية. لا مكان للواسطة في هذا النموذج؛ فالبقاء للأصلح، والكفاءة هي المعيار الوحيد. إنها المرونة التي تتيح لها التكيف مع متطلبات السوق، وتقديم برامج تلبي احتياجات الطلاب وتضمن لها تدفقاً مالياً مستمراً.
 

إذن، ليست المشكلة في أن التعليم الموازي في الجامعات الحكومية أغلى من الخاص، ولا في أن الدعم الحكومي غير كافٍ. المشكلة أعمق من ذلك بكثير؛ إنها في الفلسفة التي تُدير بها هذه المؤسسات. إنها في الروح التي تُبث فيها. وبينما تُدار الجامعات الخاصة بفكر اقتصادي مرن، تظل الجامعات الحكومية حبيسة قرارات قديمة، تُحكمها عوامل خارج أسوارها، لتظل تعاني من العجز، حتى وإن كانت تمتلك كل مقومات النجاح.