النهر الأصفر..مهد الحضارة الصينية وأنموذجًا لتطويع البيئة في خدمة التنمية

يحمل النهر الأصفر، وهو ثاني أطول أنهار الصين بعد نهر اليانغتسي، تاريخًا عريقًا في الثقافة الصينية، إذ يعتبر واحدًا من أبرز المعالم الطبيعية والتاريخية في البلاد، على امتداد مسافته التي تزيد عن 5400 كيلومتر من منابعه في هضبة التبت حتى مصبّه في بحر بوهاي شرقي الصين.
وارتبط النهر الأصفر الذي انتزع اسمه لحمل مياهه للرواسب الطينية الصفراء، بتشكل الحضارات الزراعية الأولى قبل آلاف السنين، ما جعله يُعرف بـمهد الحضارة الصينية، كما أطلق عليه الصينيون قديمًا لقب "النهر الأم" تعبيرًا عن أهميته في توفير المياه والخصوبة الزراعية، بالرغم من تسببه في فترات متباعدة من تاريخ الصين بفيضانات تسببت بتدمير المساحات الزراعية قبل أن تبذل جهود حكومية لمنع تلك الفيضانات.
واطلع فريق من الصحفيين والإعلاميين المشاركين في دورة مسؤولي الإعلام والصحافة التي نظمتها مجموعة الاتصالات الدولية الصينية، واختتمت أخيرًا بمشاركة صحفيين من وكالة الأنباء الأردنية (بترا) ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية، وإعلاميين من دول عربية، على مسار النهر، مستمعين من مشرفي الجولة عن أهميته ومكانته التاريخية وسبل استغلاله في أوجه التنمية.
ويشكل النهر الأصفر اليوم مصدرًا رئيسيًا للمياه في شمال الصين، إذ يعتمد عليه ملايين السكان في مجالات الزراعة والشرب والصناعة، بالتوازي مع بذل إجراءات لتجاوز تحدياته البيئية وتأثيرات التغير المناخي.
واطلع الفريق الإعلامي في موقع النهر على مشروعات منفذة للتحكم بالفيضانات وبناء السدود وتحسين أنظمة الري وإعادة تشجير المناطق المحيطة للحد من انجراف التربة، التي دعمتها تشريعات بيئية للحد من التلوث وضمان استدامة موارد النهر المتعددة.
وبات النهر الأصفر وجهة سياحية بارزة في الصين، إذ يستقطب ملايين الزوار سنويًا للتعرف على معالمه الطبيعية والثقافية، حيث تعد منطقة شلال هوكو، ثاني أكبر الشلالات في الصين، من أبرز المقاصد السياحية على مجرى النهر، إلى جانب المعالم التاريخية التي تعود إلى حضارات قديمة نشأت على ضفافه.
وعملت الحكومة الصينية على استثمار النهر سياحيًا من خلال تطوير البنية التحتية المحيطة به، مثل إقامة المتنزهات والمراكز الثقافية ومراكز الزوار والمتاحف، فضلاً عن تنظيم رحلات نهرية ومهرجانات شعبية تعكس التراث المحلي العريقة، إلى جانب الترويج للسياحة البيئية في المناطق المحاذية للنهر.
ويظل النهر الأصفر، كرمز وطني في الوجدان الصيني، أنموذجًا لتطويع البيئة في خدمة المسيرة التنموية وتجسيدًا حيًا لارتباط الإنسان بموارده الطبيعية ودوره في بناء الحضارة وتطور المجتمعات المحلية.
















