منى الغانم تكتب : نظام "الحقول الدراسية" في الأردن: بين طموح الإصلاح وتحديات التَّطبيق…

في إطار مساعي وزارة التربية والتعليم الأردنية لإصلاح المنظومة التعليمية للمرحلة الثانوية ، تم إطلاق نظام “الحقول الدراسية" للمسار الأكاديمي، بحيث يختار الطالب أحد الحقول ابتداءً من الصف الحادي عشر. حيث يتضمّن النظام : الحقل الصحي والحقل الهندسي وحقل العلوم والتكنولوجيا، وحقل الأعمال، وحقل اللغات والعلوم الاجتماعية، وحقل القانون والعلوم الشرعية. بحيث يدرس الطالب المواد المشتركة في السنة الأولى، والتخصصية في السنة الثانية وحسب الحقل الذي يتم اختياره ، ثم يتقدم للامتحانات الوزارية في مواد محددة من هذا الحقل، مما يؤهله للالتحاق بالجامعات أو سوق العمل.
ومع بداية تنفيذ نظام الحقول الدراسية في المرحلة الثانوية، تخطو وزارة التربية والتعليم الأردنية خطوة جديدة في محاولة لإعادة هيكلة التعليم وتوجيه الطلبة نحو مسارات معرفية ومهنية أكثر تحديدًا وتخصصًا، كما يعمل على توفير احتياجات التنمية، والحد من الجمود التقليدي الذي رافق التعليم الثانوي لعقود طويلة.
لكن، كما هو حال معظم التغييرات الجذرية في الأنظمة التربوية، فإن هذا التحول لم يمر دون إثارة النقاشات والآراء حوله، سواء من الميدان التربوي، أو من أولياء الأمور، أو حتى من الطلبة أنفسهم.
✅ إيجابيات نظام الحقول الدراسية:
نحو تعليم أكثر تخصصًا…
من أبرز ما يميز هذا النظام الجديد هو الانتقال من التعليم العام إلى التوجيه التخصصي المبكر. فقد بات الطالب في الصف الحادي عشر قادرًا على اختيار “الحقل الدراسي "ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها:
• فرصة لتعزيز التميز الفردي، من خلال تمكين الطالب من التعمق في مواد تتعلق بتوجهه المهني وميوله ورغباته .
• آلية لتقليل الفجوة بين المدرسة والجامعة، من خلال توفير بيئة تعليمية تمهّد للمرحلة الجامعية وتكسب الطالب خلفية معرفية قوية.
• استجابة مرنة لسوق العمل، إذ تسهم الحقول الدراسية في ربط المناهج الدراسية بالمهارات المطلوبة، لا سيما في المجالات التطبيقية والمهنية.
• تخفيف الضغوط النفسية المرتبطة بالتوجيهي التقليدي، عبر نظام التقييم التراكمي وتوزيع العلامات على الصفين الحادي عشر والثاني عشر، مما يمنح الطالب فرصًا أكبر لتحسين مستواه تدريجيًا.
• تشجيع الطلبة على التفكير في مستقبلهم مبكرًا، ما قد يعزز النضج الأكاديمي والمهني.
❗ تحديات وسلبيات التطبيق:
فجوة بين الفكرة والتنفيذ…
*رغم الأهداف الطموحة، يواجه نظام الحقول الدراسية تحديات متعددة على مستوى التنفيذ والبنية التحتية، أبرزها:
1. الاختيار المبكر دون نضج كافٍ
يشير العديد من المربين إلى أن بعض الطلبة في الصف الحادي عشر لم يكتسبوا بعد النضج المعرفي والنفسي الكافي لاتخاذ قرارات مصيرية تحدد مسارهم الأكاديمي والمهني.وقد يؤثر ضغط الأهل، أو محدودية المعلومات حول المواد، أو البيئة الاجتماعية على اختيار الحقل بشكل غير مدروس.
2. ضعف الإرشاد والتوجيه المهني
تعاني معظم المدارس، خصوصًا في المناطق الطرفية، من غياب حقيقي للإرشاد التربوي والتوجيه المهني، ما يجعل قرارات الطلبة غير مبنية على تحليل علمي للقدرات والميول والفرص.
3. تفاوت توفر الحقول الدراسية
لا تُتاح جميع الحقول الدراسية في كل المدارس، اما بسبب نقص الكوادر أو ضعف البنية التحتية او نقص الغرف الصفية ، مما قد يؤدي إلى حرمان بعض الطلبة من خياراتهم المفضلة واضطرارهم لاختيار حقل غير مناسب لمجرد توفره في المدرسة القريبة .
4. قلق حول القبول الجامعي
يُبدي بعض الطلبة وأولياء الأمور تخوفًا من تأثير الحقل الدراسي على فرص القبول في الجامعات الرسمية، خاصة مع الاقبال الواسع للطلبة على الحقل الصحي وفي ظل غياب التوضيحات الكافية حول معدلات القبول تبعا للحقول، وانعكاسات ذلك على التخصصات الجامعية وسوق العمل .
5. غياب التدرج في التخصص والاختيار
يرى مختصون أن إدخال الطالب مباشرة في حقل تخصصي من الصف الحادي عشر دون المرور بمرحلة تمهيدية (مثل دراسة الفرع الأكاديمي في السنة الأولى ) قد يؤدي إلى قرارات خاطئة لاحقا أو انسحاب من المسار او الحقل المختار او الاختيار الخاطئ للمواد، وما قد ينتج عنه من عشوائية وتخبط وعدم استقرار في الحقول والشعب الصفية .
6. زخم المناهج التعليمية وكثافة المواد المدرسية
اضافة لمواد النجاح المدرسي والتي تشكل عبئا إضافيا على الطالب.
*من أبرز التوصيات المطروحة:
• اعتماد السنة الأولى (الصف الحادي عشر) كمرحلة فرز أولية عامة حسب المسار (مهني/أكاديمي) يتم فيها تقييم الطالب في المواد المشتركة، ليختار الحقل الدراسي مع بداية الصف الثاني عشر بناءً على نتائجه في السنة الدراسية الأولى .
• توفير إرشاد وتوجيه مهني فاعل مسبقا في كل مدرسة، يشرف عليه مختصون وخبراء.
• ضمان العدالة في توزيع الحقول الدراسية والشعب الصفية والمعلمين المختصين على مستوى جميع المحافظات والمدارس.
• توضيح العلاقة بين الحقول الدراسية والتخصصات الجامعية من خلال دليل رسمي مفصل صادر عن وزارة التعليم العالي.
التخفيف من زخم المناهج الدراسية والحشو في الكتب المدرسية واعتماد المواد المشتركة والتخصصية الوزارية والتخفيف من مواد النجاح المدرسي والتي قد تشكل عبئا دراسيا اضافيا على الطالب والمعلم.
📝 خاتمة: إصلاحات تحتاج إلى تأنٍ…
يبقى نظام الحقول الدراسية خطوة ريادية في مسار إصلاح التعليم الثانوي في الأردن، وهو يمتلك مقومات النجاح إذا ما تمت مراجعته بواقعية، وضمن حوار مجتمعي تربوي جاد لتجاوز التحديات والمعيقات التي قد تواجه تطبيقه، فالرهان ليس فقط على تغيير الهيكل، بل على ضمان أن يكون هذا التغيير جوهري ويصب في خدمة الطالب، لا عبئًا جديدًا يُضاف إلى عبء المرحلة الثانوية.
وفي ظل ما يشهده التعليم من تحوّلات إقليمية وعالمية، فإن قدرة الأردن على تنفيذ نموذج متطور ومتوازن، ويراعي ميول الطلبة، ويحقق العدالة في الفرص ويغذي سوق العمل ، ستشكل نقطة تحول في جودة التعليم ومخرجاته، وربطه بسياق التنمية الوطنية الشاملة



















