+
أأ
-

المحامي مهند النعيمات يكتب :القرار الاقتصادي والحضور الحزبي فجوة تحتاج إلى جسر سياسي

{title}
بلكي الإخباري

 

 

في خضم التحولات التي يشهدها الأردن على صعيد التحديث الاقتصادي تبرز إشكالية غياب الأحزاب السياسية عن دائرة التأثير الفعلي في صياغة البرامج التنفيذية هذا الغياب لا يبدو أنه مجرد تفصيل إداري أو نتيجة ظرف عابر بل يعكس فجوة عميقة في العلاقة بين القرار الاقتصادي من جهة والحضور الحزبي كمكون سياسي من جهة أخرى

ففي الوقت الذي تتحدث فيه الدولة عن ترسيخ الحياة الحزبية وتوسيع المشاركة السياسية يظل الدور الحزبي في الملفات الاقتصادية محدودا إن لم يكن مغيبا هذه المفارقة تطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة العلاقة بين الحكومة والأحزاب هل هي علاقة تكاملية تبنى على الشراكة أم تنافسية تدار بمنطق الحذر والتحفظ

إن الإجابة عن هذا السؤال لا تقتصر على تحليل النوايا بل تتطلب تفكيكا دقيقا للعوامل السياسية والإدارية التي أسهمت في تكريس هذا الفصل واستشرافا للفرص التي يمكن أن تعيد بناء الجسر بين الطرفين بما يحقق التوازن المطلوب بين الشرعية السياسية والاستقرار الاقتصادي

من بين هذه العوامل يمكن الإشارة إلى وجود توجه مركزي في إدارة الملفات الاقتصادية حيث ينظر إليها باعتبارها شديدة الحساسية ما يدفع بعض الجهات  إلى تفضيل إبقاء القرار الاقتصادي ضمن نطاقها المباشر هذا التوجه قد لا يكون بالضرورة رفضا للأحزاب لكنه يعكس حرصا على ضبط التوازنات القائمة وتجنب إدخال أطراف قد تمثل مصالح متباينة

في الوقت ذاته قد يكون هناك تخوف غير معلن من أن مشاركة الأحزاب قد تفتح الباب أمام النقد أو كشف ثغرات في السياسات المعتمدة خاصة أن الأحزاب بطبيعتها تمثل طيفا واسعا من المصالح والرؤى هذا التخوف قد يدفع بعض الجهات إلى تجنب إشراكها بشكل فعال ليس بالضرورة بدافع الإقصاء بل ربما بدافع الحذر من الضغوط أو الإحراج السياسي

ولا يمكن إغفال أن بعض المؤسسات لا تزال تتبنى ثقافة بيروقراطية تقليدية ترى في الأحزاب مجرد عناصر بروتوكولية تستدعى في المناسبات دون تأثير حقيقي في القرار هذه النظرة قد تكون ناتجة عن تراكمات تاريخية أو عن ضعف في التواصل المؤسسي بين الطرفين

من جهة أخرى قد توجد قوى غير معلنة ترى في بروز الدور الحزبي تهديدا لنفوذها السياسي أو الاقتصادي وتسعى للحفاظ على الوضع القائم عبر الحد من التشاركية الحزبية هذه القوى لا تعلن موقفها صراحة لكنها تؤثر في مسار القرار من خلف الستار وتفضل بقاء الأحزاب في موقع المتفرج لا الشريك

ولا يمكن تحميل المسؤولية كاملة للجهات الرسمية فبعض الأحزاب نفسها تعاني من ضعف في التنظيم أو غياب آليات واضحة للمشاركة الفاعلة ما يجعل من السهل استبعادها تحت مبرر عدم الجاهزية أو غياب الخبرة العملية في الملفات الاقتصادية

إن تغييب الأحزاب عن المشاركة في صياغة البرامج التنفيذية لرؤية التحديث الاقتصادي هو نتاج مزيج من الحذر السياسي والثقافة الإدارية التقليدية وتوازنات النفوذ  لكن هذا النهج لم يعد ملائما لمرحلة الإصلاح والتحديث التي تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة ومكوناتها السياسية

فمن الضروري أن تعيد الأحزاب تنظيم أدواتها وتطوير خطابها وبرامجها بما يؤهلها لتكون طرفا فاعلا في صياغة القرار لا مجرد متلق له فالمشاركة السياسية لا تمنح بل تنتزع عبر الحضور الجاد والمبادرة المدروسة والقدرة على تقديم البدائل الواقعية

المطلوب اليوم هو إرادة سياسية واضحة تفتح المجال أمام الأحزاب لتثبت قدرتها على المساهمة في بناء السياسات العامة وتقديم رؤى اقتصادية متكاملة تعزز الاستقرار وتكرس الشرعية السياسية أما بقاء الأحزاب على هامش القرار فسيبقي الرؤية معرضة للتجاذب ويحولها إلى شعارات بلا أثر