الدكتور أسيد مطر يكتب : خارطة الطريق إلى الدكتوراه: هكذا تفتح أبواب الجامعات العالمية

يطمح الكثير من الطلبة الأردنيين بعد التخرج إلى استكمال مسيرتهم الأكاديمية في الخارج، خصوصًا في مرحلة الدكتوراه، حيث لا تكون الغاية مجرد الحصول على لقب أكاديمي، بل الانغماس في البحث العلمي وإنتاج معرفة جديدة تسهم في خدمة المجتمع وتفتح آفاقًا واسعة من الفرص. ورغم أن هذه الرحلة محفوفة بالتحديات، إلا أنها تصبح أكثر وضوحًا حين يضع الطالب خطة مدروسة ويبدأ مبكرًا في الإعداد.
البداية تكمن في منح نفسك وقتًا كافيًا، فالتقديم على برامج الدكتوراه قد يستغرق ما يقارب ستة أشهر على الأقل، تشمل البحث عن الجامعات، التواصل مع المشرفين، وتحضير الوثائق المطلوبة. ولا يمكن خوض هذه التجربة دون بوصلة واضحة، إذ يجب تحديد التخصص الدقيق والمجال البحثي الذي ترغب في التعمق فيه. وجود رؤية مبكرة يختصر كثيرًا من الوقت ويقودك نحو الجامعات المناسبة، وهنا يمكن الاستعانة بتصنيفات عالمية مثل QS أو WEBOMETRICS للتعرف على المؤسسات الأكاديمية المرموقة.
من المفيد أيضًا إعداد مقترح بحثي أولي لا يتجاوز صفحة واحدة، يوضح الفكرة التي تنوي دراستها والاتجاه الذي ترغب في السير فيه. هذا المقترح ليس وثيقة نهائية، لكنه يترك انطباعًا إيجابيًا لدى المشرفين بأنك طالب يعرف ما يريد. ولا يقل عن ذلك أهمية إعداد سيرة ذاتية أكاديمية احترافية، منظمة وواضحة، تتضمن معلوماتك الأكاديمية، إنجازاتك البحثية، مهاراتك، وأي مشاركات علمية أو مؤتمرات حضرتها، لأن هذه السيرة هي أول ما يفتح أمامك الأبواب.
وبعدها يأتي الدور الأهم وهو البحث عن المشرف المناسب. تصفح مواقع الجامعات، واطلع على أسماء الأساتذة العاملين في مجالك، ثم توجه إلى منصات بحثية مثل Google Scholar لقراءة أعمالهم العلمية. اختيار المشرف ليس مسألة عابرة، فهو شريكك الأول في رحلة الدكتوراه، ومن هنا تأتي أهمية أن يكون لك اهتمام مشترك معه. وعندما تراسله، اجعل رسالتك قصيرة وجذابة، تشير فيها إلى أنك قرأت بعض أبحاثه وتذكر نقاطًا محددة أثارت إعجابك، مع تقديم لمحة عن فكرتك البحثية وإرفاق سيرتك الذاتية.
وفي حال تلقيت ردًا إيجابيًا، قد تتم دعوتك لإجراء مقابلة عبر الإنترنت، وهي فرصة لتظهر قدراتك الأكاديمية ومهاراتك البحثية وإتقانك للغة الإنجليزية. لذلك من الضروري التحضير جيدًا والتعامل مع هذه المقابلة بوصفها بوابة العبور الحقيقية. ولأن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم في معظم الجامعات العالمية، فلا بد من اجتياز امتحانات معترف بها مثل IELTS أو TOEFL، حيث يُطلب عادة معدل يتراوح بين 6 و7 في امتحان الآيلتس، وبين 80 و100 في امتحان التوفل بحسب التخصص، لذا من الأفضل التحضير لهذه الخطوة مبكرًا.
وبعد الحصول على قبول مبدئي من المشرف، تبدأ المرحلة الرسمية عبر التقديم على موقع الجامعة وتزويدهم بالوثائق والشهادات المطلوبة. وفي هذه الأثناء من الحكمة أن تستكشف الدولة والمدينة مسبقًا، وأن تحاول التواصل مع طلبة يدرسون هناك لتتعرف منهم على طبيعة النظام الأكاديمي والحياة اليومية، فهم مصدر مهم للمعلومات والتجارب الواقعية. ومع صدور الموافقة الرسمية، يحين وقت التقديم على تأشيرة الطالب من خلال السفارات أو القنصليات، وهي خطوة قد تستغرق وقتًا طويلًا، لذا لا تؤجلها.
أما عند اقتراب موعد بدء الدراسة، فمن المفيد السفر قبل أسبوع على الأقل لتمنح نفسك فرصة لترتيب تفاصيل حياتك الجديدة. خلال هذه الفترة تستطيع البحث عن سكن مناسب، شراء خط هاتف محلي، فتح حساب بنكي، والتعرف عن قرب على الجامعة والمدينة، وهي تفاصيل تبدو صغيرة لكنها تصنع فارقًا كبيرًا في شعورك بالاستقرار والجاهزية لبداية مرحلة مهمة من حياتك.
إنَّ رحلة الدكتوراه في الخارج ليست مجرد مسارٍ دراسي، بل هي تجربة حياتية متكاملة تُثري شخصية الطالب وتوسع مداركه. فهي تمنحه شبكة علاقات علمية ومهنية عابرة للحدود، وتزوّده بأدوات حديثة للإبداع والبحث، وتفتح أمامه آفاقًا واسعة للتميز على المستويين العلمي والشخصي. ويبقى التحدي الحقيقي في كيفية استثمار هذه التجربة وتحويلها إلى فرصة ملموسة للتفوق الأكاديمي والمهني. ذلك موضوع آخر سأتناوله في الجزء الثاني، غير أنّه بلا شك يشكّل امتدادًا طبيعيًا لمسيرة تبدأ بالشغف وتُتوَّج بالإنجاز.



















