حادث الكرامة اليوم : هل هو فعل معزول أم نتيجة حتمية؟

يعتبر الفهم الفلسفي للأحداث الكبرى أمرًا يتجاوز مجرد سرد الوقائع. عندما نتأمل في حادث "الكرامة" الذي نفذه مواطن أردني وأدى إلى مقتل إسرائيليين، لا يمكننا الاكتفاء بالتحليل السطحي، بل يجب الغوص في الأسباب العميقة والدوافع الكامنة. من هذا المنظور، لا يُعد هذا الفعل مجرد عمل فردي معزول، بل يمكن فهمه كرد فعل طبيعي على سياق سياسي وإنساني معقد، شكلته ممارسات الاحتلال في غزة والضفة الغربية. إن نظرية الفعل ورد الفعل، التي تشكل جوهر التحليل الفلسفي، تقول إنه لا يوجد فعل كبير أو تراجيدي يولد من فراغ. بل هو غالبًا نتيجة حتمية لتراكم الظلم، والقمع، واليأس. إن الممارسات القمعية لحكومة الاحتلال، المتمثلة في سياسات الاستيطان، الحصار الجائر على غزة، والاعتداءات المتكررة على الأماكن المقدسة، هي بمثابة "الفعل" الذي يُنتج رد فعل. هذا الرد ليس بالضرورة مبررًا، لكنه مفهوم في إطاره التاريخي والنفسي. فالشعور باليأس الذي يتولد من رؤية الأهل والأشقاء يتعرضون لانتهاكات مستمرة، يمكن أن يدفع الأفراد إلى أفعال يائسة. تكتسب هذه الفلسفة عمقًا أكبر عند ربطها بالتحذيرات السياسية المسبقة. لقد حذر قادة المنطقة، وعلى رأسهم الملك عبدالله الثاني، مرارًا من خطورة سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة. هذه التحذيرات لم تكن مجرد بيانات دبلوماسية، بل كانت قراءة حكيمة للواقع، وفهمًا عميقًا لكون الكراهية والحقد اللذين تبثهما تلك السياسات لا يمكن أن يؤديا إلا إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار. إن تجاهل هذه التحذيرات هو تجاهل لدروس التاريخ، التي تعلمنا أن القمع يولد المقاومة، وأن التطرف يولد رد فعل معاكسًا. في الختام، يمثل حادث "الكرامة" أكثر من مجرد جريمة فردية؛ إنه مرآة تعكس الواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وتأثيره على المحيط الإقليمي. إن معالجة هذا النوع من الأحداث تتطلب أكثر من مجرد الإدانة أو التنديد. إنها تتطلب معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إليه، وهي إنهاء الاحتلال وإرساء العدالة. إن تجاهل الأسباب والتفكير فقط في النتائج هو هروب من مواجهة الحقيقة. من هذا المنطلق، يمكن القول إن هذا الحادث هو شهادة مأساوية على فشل السياسات التي تتبنى الكراهية، ودليل على أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العدالة وإنهاء الظلم.
















