منى الغانم تكتب: (أنينٌ من ظلال الأزمة…من يُنقذ ما تبقَّى ؟!)

﷽:(وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) ،
الفساد: العدو الأكبر للوطن والمجتمع …
المناصب أمانة وتكليف قبل أن تكون لقبا أو سلطة، فكلما ارتفعت المناصب، تضاعفت المسؤوليات، واتسعت دائرة الحقوق والواجبات.
من أجل تحقيق الامن المجتمعي، لا بُدَّ من القضاء على الفساد وأسبابه باتخاذ الاجراءات الوقائية والاحترازيّة لتخطي مكامن نموه وانتشاره والتي تبدأ بالتوعية المجتمعية من خلال الاسرة والمدرسة بغرس جذور القيم النبيلة، وتعزيز مفاهيم النزاهة والمساواة والعدالة. انطلاقا منها الى نشر البحوث والدراسات العلمية والتوعوية من خلال كافة المؤسسات التربوية والإعلامية، والتوعية بأضرار وآثار هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع، مع ترسيخ قيم المواطنة الصالحة، مما سيسهم في ايجاد ثقافة النزاهة والشفافية لدى كافة شرائح المجتمع.
هكذا يصبح الفرد على قدر عالٍ من المسؤولية والوعي، ولديه القدرة على الرقابة ومتابعة تنفيذ الخطط والبرامج وتقييم الاداء العام والتأكد من تنفيذ القوانين والكشف عن قضايا الفساد والمتورطين فيها في كافة القطاعات ليُصار الى إبلاغ الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
ويتمثل دور الجهات الرسمية في مكافحة الفساد باتخاذ تدابير رادعة من خلال سن التشريعات والقوانين وضمان تطبيقها ، وتفعيل آليات الرقابة العامة والمساءلة والمحاسبية ومتابعة الحالات التي يتم كشفها او الابلاغ عنها.
ومن أشكال الفساد المستشري في المجتمع الفساد المالي المتمثل بالرشوة واختلاس المال العام لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية على حساب المصلحة العامة، والتهرب الضريبي، والعمولات المالية بدون وجه حق، وغسيل الأموال، والفواتير الوهمية والتي بدورها تؤدي الى تدهور الاقتصاد الوطني، وتعطيل التنمية والاستثمار، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانعدام العدالة وتكافؤ الفرص.
اضافة الى الفساد المجتمعي والاداري والمتمثل في الشللية والمحسوبية والواسطة والتزوير والتنمر والتمييز وعدم المساواة وعدم اعطاء الفرص لاصحاب الكفاءات وتعطيل المعاملات الرسمية .
وبالتالي ستكون النتيجة ضعف الثقة بمؤسسات الدولة الحكومية، وتبلُّد الحس الأخلاقي، والانطفاء، وقبول الظلم، والاحباط وضعف الإنتاجية، والإنسحاب، والتفكك المجتمعي مع تمجيد أساليب الخداع والمكر والمحسوبية لجلب المصالح .
والأخطر من كل ما تقدم أن الفساد قد يؤدي إلى ضعف في قيم الإنتماء لدى المواطن إذا شعر بنهب المال العام وعدم تحصيل الحقوق وضياع الفرص المستحقة مع ضعف آليات المحاسبة ، وما يرافقها من الشعور بالظلم والغُبن وغياب العدالة عندما يحصل أصحاب النفوذ على امتيازات ومواقع دون استحقاق بينما يعاني هو في تحصيل حقوقه المستحقة وقد لا ينالها !
ناهيك عن أشكال الفساد السياسي والقضائي والدولي على مستوى الافراد أو الجماعات أو المؤسسات سواءً كان معلنًا أو مخفيًا.
باختصار الفساد لا يُضعف مؤسسة واحدة فقط، بل يخترق جسد الدولة بالكامل، ويمنع تقدمها، ويزرع الفوضى ويعرقل عمليات الإصلاح والتنمية والتطور ويخفض من جودة الخدمات المقدمة وبالتالي يشوه سمعة البلاد ككل.
في ظل هذا الواقع الملتبس، يكبر جيل لا يرى في النزاهة مسارًا واقعيًا، ولا في الاجتهاد وسيلة للترقي ولا بالنزاهة طريقا للنجاة. جيل يتعلم منذ بداية وعيه أن الطرق المستقيمة قد تكون هي الأطول ، وأن الأبواب لا تُطرق بل تُفتح من الخلف!
نعم، قد طالت العتمة، وتآلف الناس مع ظلّها، لكن لا ظلام يبقى إلى الأبد. فالنور لا يحتاج أكثر من شق صغير ليتسلل منه ،
ربما لا نملك القدرة على التغيير والإصلاح الآن، لكننا نملك الوعي الكافي لمعرفة بداية الطريق الصحيح .. لا نملك ترف الانتظار، فالغد قد لا يمنحنا الفرصة… وَلاتَ حينَ مَندَم!
فالحذر الحذر…!



















