م سماء علي السكر تكتب : الإدارة المحلية بين التعيين والانتخاب: لحظة مفصلية في مسار الحكم المحلي الأردني

تعيش منظومة الإدارة المحلية في الأردن واحدة من أكثر مراحلها حساسية منذ نشأتها، مرحلة تستدعي قراءة واقعية ومراجعة عميقة لأدواتها ونتائجها، في ظل جدل متصاعد حول الاتجاه نحو تعيين رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية بدلاً من انتخابهم.
لتفتحت الدراسة الأخيرة الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية الباب أمام نقاش وطني جاد حول هذا التحول، والذي لا يقتصر أثره على بنية الإدارة المحلية فحسب، بل يمتد إلى جوهر المشاركة الديمقراطية وحق المواطن في الاختيار.
من موقع المتابعين لمسار الإصلاح الإداري والتنمية المحلية، لا يمكن قراءة هذا التوجه بمعزل عن السياق الوطني العام الذي رسمه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في كتاب التكليف السامي لدولة جعفر حسان، حين شدد على ضرورة إعادة بناء منظومة الإدارة المحلية على أسس العدالة والكفاءة والمساءلة، بما يضمن خدمة المواطن وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع.
ورغم أن الدراسة تشير إلى أن شريحة من المواطنين ترى في التعيين وسيلة لتعزيز الكفاءة والفعالية الإدارية، فإن هذه الرؤية تصطدم بجدار صلب من المبادئ الدستورية؛ فـحق المواطن في الانتخاب ليس ترفاً ديمقراطياً، بل ركيزة من ركائز العقد الاجتماعي، وأداة للمساءلة وتوزيع السلطة بعدالة بين المجتمع ومؤسسات الدولة.
إن الانتخاب لا يُختزل في ورقة تُوضع في صندوق، بل هو فعل تمكين وممارسة للسيادة الشعبية التي تمنح الشرعية وتبني المسؤولية، وعند النظر إلى الواقع التنموي، لا تزال الفوارق في مخصصات التنمية بين المحافظات قائمة بشكل واضح، وقد أدى ذلك إلى تعطيل مشاريع حيوية في المناطق الأقل حظاً، وهو ما يعكس خللاً في آلية توزيع الموارد وأولويات الإنفاق. وفي كثير من الحالات، تُوجَّه الموارد إلى مجالس معينة بحجة الكفاءة الإدارية، ما يعيد إنتاج مركزية القرار ويُضعف روح المشاركة التي تُعد أساس التنمية المستدامة.
إن التنمية المحلية ليست مشروعاً هندسياً أو معادلة مالية، بل هي عملية تمكين مجتمعي تشاركي، تبدأ من إيمان المواطن بأن صوته يُحدث فرقاً، وأن ممثليه في المجالس المحلية هم مرآة لاحتياجاته وطموحاته؛ فالمجالس المنتخبة – مهما شابها القصور – تمتلك الشرعية الشعبية التي لا تُستورد بالتعيين، بل تُكتسب بالثقة والمساءلة.
اليوم، يقف الأردن أمام منعطف إداري وسياسي دقيق: إما العودة إلى المركزية المقنّعة باسم الكفاءة، أو المضي في تجذير الحكم المحلي الحقيقي القائم على المشاركة والمساءلة.
وبصراحة الخيار ليس تقنياً، بل سياسياً ومجتمعياً، يمس جوهر مشروع التحديث الوطني الذي دعا إليه جلالة الملك، ويحدد ملامح العلاقة المستقبلية بين الدولة والمواطن.
فالرهان الحقيقي ليس على شكل النظام المحلي، بل على إرادة الإصلاح، وعلى القدرة على تحقيق توازن ذكي بين الكفاءة والشرعية، بين الفعالية والمشاركة، بين الدولة والمجتمع، عندها فقط يمكن أن تتحول الإدارة المحلية من دائرة خدماتية إلى أداة تنمية وعدالة ومواطنة فاعلة.



















