مربو الماشية في الأردن.. حرب وجودية ناعمة بين رقمنة الدولة وقراصنة الأعلاف!

خاص - لم يخطر ببال عدد كبير من أصحاب الماشية الأردنيين أنهم سيجدون أنفسهم في خضم "حرب وجودية ناعمة"، محورها قطعة خبز القطيع، ومحركها صراع بين التكنولوجيا البيروقراطية وفساد "الحيازات الوهمية" لتجار الأعلاف.
ومنذ أشهر، يقف المربي التقليدي، الذي يعيل آلاف الأسر، على عتبات مديريات الزراعة بانتظار "عدّ مواشيهم" كي يتمكنوا من شراء الأعلاف على السعر المدعوم، وهو شريان الحياة الوحيد لقطاع الثروة الحيوانية في ظل ارتفاع كلف الإنتاج.
لكن المربين يتلقون إجابة "رقمية" واحدة: "الملف في عهدة وزارة الاقتصاد الرقمي، والعمل جارٍ على مشروع رقمي لضبط عملية العد والترقيم الإلكتروني للثروة الحيوانية".
هذا التأخير الإداري والرقمي، وإن كان يهدف في جوهره إلى مكافحة الفساد، إلا أنه يضع المربي الحقيقي تحت ضغط مالي لا يطاق، ويدفعه رغماً عنه إلى حضن "السوق السوداء".
وزارة الزراعة.. بين مطرقة الرقمنة وسندان الفساد
تعترف وزارة الزراعة بوجود "فساد كبير" بسبب ما يعرف بـ "الحيازات الوهمية"، حيث يقوم تجار الأعلاف بإنشاء بطاقات حيازة غير حقيقية بأرقام مواش مزيفة، ليتمكنوا من الحصول على حصص ضخمة من الشعير والنخالة بأسعار مدعومة حكومياً (حوالي 175 ديناراً للطن مثلاً)، ليتم بيعها لاحقاً في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 250 ديناراً أو أكثر.
وفي محاولة لضبط هذا الهدر الذي يكلف الخزينة مبالغ طائلة سنوياً، بدأت الوزارة بالاعتماد على نظام الترقيم الإلكتروني الجديد الذي تديره وزارة الاقتصاد الرقمي لحصر الأعداد الفعلية للثروة الحيوانية، وشطب الحيازات غير الحقيقية.
النتيجة المباشرة لهذا الإجراء، هي أزمة ثقة وتأخير في صرف الأعلاف للمربين الحقيقيين.
يقول رئيس جمعية مربي الماشية زعل كواليت النية الحسنة بمحاربة الفساد لا يجب أن تكون على حساب المربي الصغير. الإجراءات الرقمية بطيئة جداً، وخلال أشهر الانتظار، فإن المواشي لا تتوقف عن الأكل. نحن ندفع الثمن مضاعفاً، أولاً بتأخير الدعم، وثانياً بشراء الأعلاف بأسعار التجار الوهميين أنفسهم!"
المربي الحقيقي.. وقود السوق السوداء
يؤكد مربو الماشية أن الكميات القليلة من الأعلاف المدعومة التي تُصرف لهم حالياً لا تكفي لسد حاجة قطعانهم إلا لأيام محدودة، مما يضطرهم للجوء إلى السوق الحرة أو "السوق السوداء" لتأمين احتياجاتهم.
هذا السيناريو يصب في مصلحة "أصحاب الحيازات الوهمية" الذين يتحولون إلى تجار يُضاربون على قوت المربين، حيث يحصلون على الأعلاف بسعر مدعوم ويبيعونها بأسعار السوق المرتفعة. وبدلاً من أن يصل الدعم الحكومي إلى جيب المربي لدعم استمرارية القطاع، فإنه يتحول إلى أرباح ضخمة لـ "قراصنة الأعلاف".
وطالب المربون بضرورة إيجاد آلية أسرع لـ "العد والترقيم"، ورفع كمية الأعلاف المستحقة لكل رأس ماشية، مشددين على أن القطاع بأكمله يواجه خطر التدهور، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي الوطني من اللحوم البلدية.
تبقى الكرة في ملعب الحكومة، التي تواجه تحدي الموازنة بين الحاجة المُلحة للإصلاح الرقمي ومحاربة الفساد، وبين توفير "شريان حياة" فوري لآلاف المربين الذين ينتظرون أن تضع الدولة حداً لحربهم الوجودية مع وهم الحيازة وواقع الجوع.
















