+
أأ
-

الخطاب الملكي: انزياح البوصلة نحو المواطن.. وفلسفة الثبات الأردني دون تغيير او تبديل .

{title}
بلكي الإخباري

كتب الناشر - ليس الخطاب الملكي السنوي الذي يفتتح به جلالة الملك أعمال الدورة العادية لمجلس الأمة مجرد مناسبة دستورية، بل هو لحظة فلسفية تُعاد فيها معايرة بوصلة الدولة وترسخ  فيها معاني الاستحقاق والمسؤولية.

فاختيار منبر البرلمان كنقطة التقاء محورية لكافة أجهزة الدولة وفي تزامن دقيق يؤكد أن المؤسسة التشريعية هي المرجع الحي والضابط الأساسي لسيرة النهج المؤسسي والانضباط في العمل الحكومي والبرلماني يجب أن ينطلق من هذه القاعة لكن  العمق التحليلي لخطاب سيد البلاد  يتجاوز تأكيد المؤسسية لينزاح بثقله نحو مركز الثقل الحقيقي للدولة وهو المواطن وسبل توفير الرفاه له .

لقد جاء الخطاب الملكي  ليؤكد أن الملك  بصفته الضامن الدستوري للجميع يمارس عملية انزياح مركزي من القمة إلى القاعدة  وهذا الانزياح لم يعد مجرد توجيه عام بل هو تحديد دقيق لسبل توفير الرعاية والاهتمام من خلال مطالبة واضحة ومُلزمة ( التربية والصحة والنقل ) .

فتشديد جلالته  على ضرورة ترجمة الخطط والبرامج إلى مشاريع يلمسها المواطن الأردني كأثر ايجابي يمثل اعترافا  بأن نجاح الدولة لا يقاس  بجمالية الرؤى، بل بالتحسن  في الظروف المعيشية والأحوال الاقتصادية للفرد.

الرسالة هنا هي نقد ضمني صريح لوجوب تجاوز فجوة التنفيذ؛ فالتوجيه بـواجب إقران القول بالعمل هو دعوة عميقة لتجذير ثقافة الإنجاز المسؤول، حيث يصبح الفعل الملموس هو المعيار الوحيد لقياس فعالية أي سلطة أو برنامج والملك  ينزاح بالاهتمام ليصبح صوت المواطن المطالب بالنتائج المباشرة.

وتجسدت  ثقة سيد البلاد  في إعلان جلالته الصريح ، حيث رسخ  إيمانه بالشعب والجيش في مقولة عميقة تلامس جذر العلاقة بين القيادة والشعب: "قد أقلق، ولكن لا أخاف إلا الله، وفي ظهري أردني". هذه العبارة ليست مجرد شعار، بل هي ترسيخ لمبدأ المناعة الوطنية التي تستمد قوتها من وحدة الصف واستناد القائد إلى قوة وتضحية شعبه.


 

وفي سياق الثوابت القومية، أعاد الخطاب ترسيم الدور التاريخيّ للأردن  تجاه القضية الفلسطينية، بوصفها القضية المركزية لنا هذا الثبات ليس موقفا  سياسيا عابرا بل هو هوية وجودية متجذرة في رسالة الدولة. وأكد خطاب جلالته  على أن الأردن بجميع أجهزته، يواصل دوره كسند تاريخي لا يتخلى عن مسؤولياته القومية، حيث أن الدفاع عن الحق الفلسطيني هو جزء أصيل من الدفاع عن الدولة. فالتأكيد المتكرر على ثوابت الأمة في ظل المتغيرات الإقليمية يعني أن الأردن يمثل مرساة استقرار سياسي وأخلاقي، ويرفض تسييل هذه القضية أو التنازل عن الحقوق التاريخية ومنها الوصاية على المقدسات إسلامية ومسيحية ، وهو موقف يُعزز دوره كقوة ضغط أخلاقية وسياسية دولية داعمة ومساندة للفلسطينيين.

بهذا يكون الخطاب الملكي قد كرس الدور التاريخي للأردن كمرتكز ثابت، لتظل المؤسسية الأردنية هي الحاضنة لرعاية المواطن محلياً، ودرع الثبات للقضايا القومية عربياً.