+
أأ
-

وداد اللصاصمة تكتب : خطاب العرش 2025: نداء جلالة الملك ورؤية المستقبل

{title}
بلكي الإخباري

 

في لحظةٍ مهيبةٍ من تاريخ الدولة الأردنية، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين أمام مجلس الأمة ليُلقي خطاب العرش السامي، فاتحًا به الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، بخطابٍ حمل ملامحَ المرحلة، ورسائلَ الوطن، ومفاتيح المستقبل. لم يكن الخطاب مجرّد تقليدٍ دستوري، بل وثيقةً وطنيةً جامعة، تعكس إرادة الملك في أن يكون الأردن كما أراده دومًا: قويًّا بمؤسساته، متماسكًا بشعبه، ماضياً في طريق الإصلاح بثقةٍ وثبات.

جاء الخطاب في وقتٍ يواجه فيه الوطن تحدياتٍ اقتصاديةً وإقليميةً معقّدة، لكن الملك اختار أن يبدأ حديثه من موقع القوة لا من موقع الانفعال، مؤكدًا أن الأردن، برغم الصعوبات، يسير في طريقه بثقةٍ راسخة نحو التحديث الشامل والإصلاح المستدام. فالمملكة ـ كما قال جلالته ـ لا تملك ترف الانتظار، لأن العمل هو الخيار الوحيد أمامنا جميعًا، ولأن الإيمان بالمستقبل هو دافعنا الأول.

أكد جلالة الملك أن الإصلاح ليس شعارًا يُرفع، بل مسيرةٌ تُبنى بالعمل المتواصل والنية الصادقة، داعيًا الحكومة ومجلس الأمة إلى أداءٍ مسؤولٍ يوازي حجم الثقة الملكية والشعبية بهما. كما شدّد على أهمية التكامل بين السلطات، وعلى ضرورة ترجمة الرؤية الوطنية إلى نتائج ملموسة في حياة المواطنين، لا إلى خططٍ معلّقة على الورق.

ومن خلال إشاراته الدقيقة إلى مسارات التحديث السياسي والإداري والاقتصادي، بدا الخطاب بمثابة خارطة طريق شاملة، تؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني الجماعي، وتضع المواطن في قلب المعادلة بوصفه الهدف والغاية.

في المحور الإقليمي، ثبّت الملك مجددًا موقف الأردن الثابت تجاه القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن لا استقرار في المنطقة دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني، وعاصمتها القدس الشرقية. وأعاد جلالته التذكير بالدور الأردني التاريخي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، تحت مظلة الوصاية الهاشمية، التي تمثل التزامًا دينيًا وتاريخيًا وأخلاقيًا متجذرًا في هوية الدولة الهاشمية ورسالتها.

بهذه الإشارة العميقة، أعاد الخطاب التأكيد على أن الوصاية ليست موقفًا سياسيًا طارئًا، بل عهدٌ ممتد منذ الجدّ المؤسس، تُمارسه القيادة الهاشمية دفاعًا عن الحق العربي والإسلامي في القدس، وتأكيدًا على رسالة الأردن في صون الهوية والكرامة.

لم ينسَ جلالة الملك أن يوجّه بوصلة الخطاب نحو الداخل، حيث دعا الأردنيين جميعًا إلى التكاتف، ووضع الخلافات جانبًا، لأن مصلحة الوطن أكبر من أي اختلاف. وشدّد على أن الشباب هم ركيزة التغيير، وأن الدولة تعوّل على طاقاتهم في البناء والريادة والمشاركة السياسية.

في حديثه عن الشباب والتعليم وفرص العمل، بدا الملك كأبٍ يتحدث إلى أبنائه، يزرع فيهم الأمل، ويؤكد أن الأردن القوي لا يُبنى إلا بسواعدهم وعقولهم.

ما يميّز خطاب العرش هذا العام أنه لم يكن وصفًا للواقع فحسب، بل استشرافًا للمستقبل. فقد رسم جلالة الملك معالم مرحلة جديدة من الإنجاز الوطني، قائمة على المسؤولية المشتركة، والمساءلة، والعمل بروح الفريق الواحد.

وجاءت عباراته حازمة حين قال إن “التحديات ليست مبرّرًا للتقاعس، بل دافعًا لمزيد من العمل والإنجاز”، وهي رسالة مباشرة إلى الجميع بأن الأردن باقٍ على العهد، ثابتٌ على المبادئ، متجددٌ في الرؤية والعطاء.

في نهاية الخطاب، بدا جلالة الملك عبدالله الثاني كما عرفه الأردنيون دومًا: قائدًا قريبًا من شعبه، صادقًا في وعده، ثابتًا في مواقفه، مؤمنًا أن الأردن سيبقى قويًّا بإيمانه وقيادته وشعبه.

لقد حمل خطاب العرش السامي هذا العام روح التجديد والعزم، وفتح صفحة جديدة في كتاب الدولة الأردنية، عنوانها “الثقة والعمل”.

هو نداء ملكٍ إلى وطنٍ يستحق الأفضل، ودعوة صريحة لأن نكون جميعًا شركاء في صناعة الغد، كما أراد جلالته: غدٌ يليق بالأردنيين وبتاريخهم .