+
أأ
-

د عاطف نايف زريقات يكتب : زهران ممداني ودرس الديمقراطية الأميركية لماذا نضخم الحدث عربياً ؟

{title}
بلكي الإخباري

 

 

 

 

منذ انتخاب زهران ممداني عمدةً لمدينة نيويورك امتلأت وسائل الإعلام العربية ومنصات التواصل بالاحتفاء بما اعتُبر نصراً تاريخياً  لمسلم من أصول غير أميركية في واحدة من أهم المدن في العالم  ورغم أن المنصب مهم ومرموق وله ثقله الإداري إلا أن هذا الاحتفاء كشف خللاً أعمق في طريقة تفكيرنا كعرب تجاه النجاح السياسي في الغرب . فقد قرأنا الحدث بعاطفة قومية ودينية أكثر من قراءتنا له في سياقه السياسي والاجتماعي الطبيعي داخل الولايات المتحدة ٠

في أميركا العمدة ليس صاحب القرار السياسي الأعلى في الولاية بل مسؤول تنفيذي محلي يخضع لقوانين الولاية والحكومة الفيدرالية  نجاحه أو فشله يُقاس بمدى قدرته على إدارة الخدمات  النقل  السكن  وإدارة ميزانية المدينة وليس بقدرته على صياغة السياسة الخارجية أو تغيير الموقف الأميركي من الشرق الأوسط وممداني نفسه لم يخاطب الناخبين بصفته مسلماً  بل بصفته ممثلاً للطبقة الوسطى والعمال متحدثاً عن قضايا الإسكان وغلاء الإيجارات وتردي النقل العام  وحق الناس في حياة كريمة. لم يرفع شعاراً دينياً واحداً في حملته  بل قدم نفسه كاشتراكي ديمقراطي مواطن أميركي أولاً ٠

أميركا دولة مصالح وليست دولة هويات واثبتت الديمقراطية الأميركية استقلالية المؤسسات عن السلطة التنفيذية  حتى في أصعب اللحظات ٠

في السبعينيات وعند زيارة الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو للولايات المتحدة  نظمت منظمات صهيونية مظاهرات غاضبة ضده في نيويورك وشيكاغو بسبب مواقفه السياسية وهو يعتبر من الديغوليين وأتى للحكم  بعد ديغول مباشرةً . رفض عمدة المدينتين حينها استقباله رغم أنه رئيس دولة زائرة  واضطر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أن يطير بنفسه إلى نيويورك للاعتذار 

(مذكرات محمود رياض  ص229)

هذا المثال يوضح شيئاً واحداً

سلطة المنصب المحلي في الولايات المتحدة لا تخضع للرئيس  ولا تتشكل حسب رغباته هذه  الديمقراطية ليست نتيجة نوايا أخلاقية ولا نقاء سياسي  بل نتيجة بنية مؤسساتية تقوم على فصل الدين عن الدولة وفصل السلطات  وتقديس حرية المواطن قبل أي اعتبار أخر 

الأديان في أميركا داخل دور العباده  والمصالح في المؤسسات٠

في أميركا أصبح باراك  أوباما  ابن مسلم رئيساً  متهم دينياً  لكنه أعلن مواطنته قبل انتمائه الديني عندما  اعلن بأن أمن إسرائيل من أمن اميركا 

متحدره من أصول إفريقية وزيرة خارجية اميركا  (كونداليزا رايس)

مهاجر يهودي وزيراً للخارجية (هنري كيسنجر)

هندوسي رئيساً للحكومة البريطانية وباكستاني   مسلم عمده لندن 

هندوس ومسلمون وعرب يتولون مناصب متقدمة في الكونغرس والبلديات  ولكنهم اميركان اولاً 

السوري كارلس منعم اصبح رئيساً للأرجنتين  ورئيسة المكسيك اليهوديه  كلاوديا شينباوم  دعت إلى الاعتراف بدولة فلسطينية من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط  في أول تصريح لها حول هذا الموضوع 

الرئيس السلفادوري نجيب ابو  كيله من أصول فلسطينيه  موقف رئيسة  المكسيك اليهوديه افضل  من موقفه بالنسبه للقضيه الفلسطينيه وحل الدولتين  وهو من أصول فلسطينيه 

لم يسأل أحد هؤلاء عن دينهم  بل عما يستطيعون تقديمه للمجتمع .

في الغرب الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه  وليس وسيلة للوصول إلى السلطة أو التحكم بالناس 

أما نحن  فما زلنا نريد الدولة على صورة ديننا  والطائفة على صورة جماعتنا والسياسة على صورة هويتنا ٠

العقلية ذاتها تفَاجَأت بأوباما فبعض العرب ظنوا بسذاجة  أن لونه ودين والده  وإسمه سينعكس على مواقفه من فلسطين  قبل أن يسمعوا منه الجملة الواضحة   أمن إسرائيل من أمن الولايات المتحدة ٠ 

فالمسؤول هناك يخدم الدولة التي يحمل جنسيتها لانه مواطن فيها  لا الدولة التي يحمل جذوراً منها ٠

كما أن الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية ألمانية الأصل تولت حكم روسيا بإخلاص كامل لها  وقادت انتصارها على العثمانيين ودعمت الثقافة والفنون في روسيا لان الانتماء للدولة ليس مسألة دم ولا أصو بل مسألة عقد سياسي ومصالح مشتركة 

أزمتنا ليست في أميركا  بل فينا نحن ٠  نشتم أميركا لأنها الراعي الرسمي لإسرائيل وهذا صحيح  ولنا الحق 

لكن لماذا ؟ 

لأن مصالحها تتقاطع مع إسرائيل باعتبارها القاعدة المتقدمة للنفوذ الغربي في المنطقة  والفاصل الجيوسياسي بين المشرق العربي وشمال أفريقيا وهي الحليف الاستراتيجي المضمون والقاعده الثابته  المتقدمه  لاميركا في المنطقه 

أما نحن  فما زلنا نحشر الدين في كل نقاش سياسي واجتماعي نرفض الاعتراف بحق الآخر في الاختلاف ونخاف من الديمقراطية لأنها تهدد امتيازات السلطة

ليست الديموقراطيه مشكلة دين  بل مشكلة عقل  وحين نظل أسرى للعقلية القديمة القائمة على الطائفة والقبيلة والشعارات  لن نخطو خطوة واحدة نحو المستقبل 

وهكذا علينا ان نعرف بأن نجاح زهران ممداني ليس انتصاراً للمسلمين ولا للعرب  بل انتصار لقيم المشاركة السياسية التي تقوم على  الكفاءة والخدمة العامة  واحترام عقل المواطن

الدين علاقة المخلوق بخالقه

أما الوطن  فهو ملك للجميع دون متيازات ولا وصاية