+
أأ
-

أ.د. محمد الفرجات يكتب : دبّروا حالكم… سامحونا، الباص شكله طلع مع الفاردة!

{title}
بلكي الإخباري

 

 

في بلدٍ يطمح إلى السياحة والاستثمار والإصلاح والتحديث، يبدو أن قطاع النقل الجماعي ما يزال عالقًا في زمنٍ آخر. زمنٍ يتطلب من المواطن أن “يدبّر حاله”، ويستحمل، وينتظر، ويعتذر له بعد طول إنتظار في المحطة أحيانا لأن الباص لن يأتي، وطلع مع الفاردة!

هذه ليست نكتة. إنها خلاصة تجربة يومية يعيشها الطلاب، والموظفون، والمرضى، والعمال، وكل من يعتمد على الحافلة كوسيلة نقل.

من المؤسف، بل من المحزن والمخزي، أننا في عام 2025 لا نملك منظومة نقل عصرية تضمن الحد الأدنى من التنظيم:

لا مواعيد انطلاق، لا مواعيد وصول، لا نقاط توقف محددة، لا نظام تحميل وتنزيل، لا مسار واضح، لا منصة تتبع، ولا أي شيء يدل على أننا أمام قطاع يُفترض أنه شريان حياة الاقتصاد والتنمية.

كل شيء عشوائي… كل شيء مرهون بالصدفة والحظ، وكأن النقل العام لعبة قمار لا تعرف نتيجتها.

كيف لطالبٍ أن يصل إلى محاضرته في وقتها؟

كيف لموظفٍ أن يصل قبل أن يُخصم عليه؟

كيف لمريضٍ أن يلتزم بموعد طبي مهم؟

كيف لسائحٍ أن يتنقل بثقة في بلد يدّعي المنافسة السياحية؟

المواطن لا يستطيع “برمجة” يومه… لأن الباص لا يحترم الوقت، ولا المسار، ولا الراكب، ولا حتى الطريق.

هل يُعقل أن نظل رهينة شركات مبعثرة ومتناثرة وقوى نفوذ؟

قطاع النقل مليء بشركات صغيرة ومتناثرة، تعمل كل واحدة بمعزل عن الأخرى، وترفض الاندماج في شركة كبيرة موحدة.

والسؤال: لماذا؟

الشركة الكبيرة ليست تهديدًا لهم… بل في مصلحتهم:

ربح أكبر، رقابة أعلى، سلامة أفضل، تنظيم، تسويق، سائقون مدربون، صورة مشرقة للبلد، وراحة للركاب.

بلدان أصغر وأفقر استطاعت أن تنشئ منظومات نقل حضارية.

أما نحن فما زلنا نتعامل مع حافلات:

– تحمل فوق طاقتها

– تتجاوز بسرعة قاتلة

– تقف في أي مكان

– تُحمِّل من أي مكان

– لا تنطلق في وقت محدد

– لا تصل في وقت محدد

– قد يقودها حدث

– تُدفع أجرتها بطريقة بدائية

– لا تلتزم بالنظافة

– لا تلتزم بالمعايير

– ولا تلتزم بالسلامة العامة

نريد سياحة واستثمارًا… لكن كيف؟

كيف ننشّط السياحة والسائح يقف على قارعة الطريق لا يعرف من أين يأتي الباص ولا إلى أين يذهب؟

كيف نستقطب الاستثمار وموظفوه لن يصلوا في الوقت؟

كيف نتحدث عن إصلاحات سياسية وإدارية واقتصادية بينما النقل العام—the simplest foundation of modern life—مهترئ؟

بين المدن… لا نقل!

بين المدن والقرى… لا نقل!

بين الأحياء… لا نقل!

بل نظام متناثر كقطع أحجية مكسورة، لا يمكن جمعها ولا الاستفادة منها.

نظام نقل بدائي لا يليق بدولة تسعى للمستقبل

نحن لا نطلب معجزة.

نطلب فقط الحد الأدنى:

– حافلة محترمة

– سائق محترف

– محطة واضحة

– وقت محدد دقيق ملزم

– منصة إلكترونية

– شركة وطنية قوية موحدة

– رؤية تُحترم

– مواطن يُحترم

إلى متى سنظل نقول: دبّروا حالكم؟

إلى متى سيبقى المواطن يعاني لأن “الباص ما إجا”، أو “ضاع”، أو “راح مع الفاردة”؟

هذا ليس قدَرًا… بل نتيجة غياب قرار شجاع ينقل قطاع النقل من العشوائية إلى الحضارة.

الأردن يستحق أفضل.

مواطنوه يستحقون كرامة الوقت.

زائروه يستحقون خدمة محترمة.

والوطن يستحق قطاع نقل عام يناسب طموحه، لا يعطّل مستقبله.

لقد تعب الناس كثيرًا… وآن الأوان لنعترف أن النقل العام ليس تفصيلاً ثانويًا، بل أساس التنمية، وواجهة الدولة، ومقياس احترام المجتمع لنفسه.

الكل يستخدم سيارته،،، ضجيج، حوادث، أزمة صباحا وظهرا ومساء، تلوث، مشادات كلامية... نعاني فعلا نعاني ولا أحد يكترث... 

والسؤال الحاسم يبقى:

متى نتوقف عن قول "دبّروا حالكم"، ونبدأ بقول "تفضلوا… هذا وقت الباص، وهذا مساره، وهذه دولته"؟