د.فوزان العبادي يكتب : مناقشات الموازنة بين واجب النواب وحدود الدور الدستوري

تُطرح الموازنة العامة كل عام بوصفها أهم اختبار للدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب، لكن ما شهدناه هذا العام أعاد إنتاج المشهد ذاته: نقاشات طويلة، عبارات إنشائية، ثم موازنة تمرّ كما جاءت دون تغييرات جوهرية تعكس احتياجات المواطنين أو تضع حلولاً عملية لمعضلة الرواتب الغائبة عن أي تحسين حقيقي.
ورغم أن الدستور يمنح المجلس صلاحيات واضحة لا لبس فيها—من بينها رد مشروع قانون الموازنة بالكامل، وتخفيض النفقات، وإجراء المناقلات بين البنود، وحتّى إضافة بنود جديدة مثل رفع الرواتب شريطة إيجاد تغطية مالية—إلا أن الأداء النيابي ظهر عاجزاً عن تحويل هذه الصلاحيات إلى أدوات ضغط فعلي. كان بإمكان المجلس أن يطالب بزيادة الرواتب مقابل خفض مماثل في النفقات الجارية، أو دمج عدد من الهيئات والمؤسسات المستنزفة للموازنة، أو إعادة هيكلة الجهاز الإداري الذي بات أكبر من حاجة بلد بحجم الأردن.
بل إن فكرة دمج الهيئات ومناقلة موازناتها ليست إجراءً سياسياً متطرفاً، بل خطوة إصلاحية بديهية، خصوصاً وأن الأردن، بإمكاناته وحجمه وتحدياته الاقتصادية، لا يحتاج هذا الكم من الوزارات والهيئات والمؤسسات التي تُضاعف النفقات دون مردود واضح. وقد ذكرتُ سابقاً في أحد اللقاءات أن حكوماتنا تعيش—على مستوى المسؤولين والامتيازات—كما يعيش مسؤولو دول الخليج، لكن دون امتلاك الموارد أو العوائد أو البنى التي تسمح بذلك. هذه المفارقة وحدها كافية لتفسير جزء كبير من عجز الموازنة واتساع الإنفاق الجاري سنة بعد أخرى.
المؤسف أن بعض النواب خرجوا بتصريحات تفيد بأن المجلس “لا يملك” صلاحية تعديل الموازنة أو زيادة الرواتب، وهو قول يتعارض صراحة مع الدستور ومع روح العمل البرلماني. فالعجز ليس قانونياً، بل عجز في الإرادة السياسية وفي القدرة على تشكيل جبهة نيابية تفرض تغييراً فعلياً على الحكومة.
وبينما يتمسّك الدستور بحقه، ويتمسّك المواطن بحلمه في تعديل يُنصفه، تبقى الموازنة مجرد وثيقة حكومية تعبر المجلس دون مقاومة حقيقية. ومع غياب هذه المواجهة، تتعمق الفجوة بين النصوص والتطبيق، وتستمر الموازنات السنوية في الدوران داخل الحلقة ذاتها، ويبقى المواطن الخاسر الوحيد في معادلة يفترض أن يكون هو مركزها.
بقلم د.فوزان العبادي



















