+
أأ
-

قمة المناخ تدخل أسبوعها الحاسم وسط خلافات حول التمويل والأضرار

{title}
بلكي الإخباري

 تتضح معالم نتائج قمة المُناخ "كوب 30" المنعقدة حاليًا في مدينة بيليم البرازيلية خلال هذا الأسبوع الذي ستشهد فيه غرف النقاشات التفاوضية سباقًا ما بين الدول المتقدمة والغنية والنامية وغيرها، لوضع نص ختامي يلبي طموحات تلك التي تعاني من تبعات التغيرات المناخية.

 

ومع بدء المفاوضات في أسبوعها الأخير بعد غد الاثنين، ما تزال تطغى على النقاشات قضايا خلافية لم يتفق عليها بعد، على رأسها مسألة التمويل ما بين الدول الصناعية الكبرى والنامية، ورفد صندوق الخسائر والأضرار، ما دفع برئاسة القمة إلى الإعلان عن تمديد المحادثات ليوم 22 تشرين الثاني (نوفمبر).

ومع هذه الخلافات، ما يزال يتطلع خبراء بالشأن البيئي أن تفضي هذه القمة لنتائج "مبشرة" على صعيد العمل المُناخي، قد تقلب الأمر رأسًا على عقب، وتفرض معها التزامًا جديدًا على الدول بشأن الوفاء بتعهداتها التي كانت تطلقها مع انعقاد كل قمة في الأعوام الماضية.

نقلة نوعية

وتتواصل في مدينة بيليم البرازيلية أعمال مؤتمر الأطراف الـ 30 للتغير المناخي وسط نقاشات مكثفة حول قضايا التخفيف والتكيف، والتمويل والشفافية، في وقت يبرز فيه موضوع التمويل المناخي بوصفه محور المفاوضات الأهم، خاصة بعد طرح مقترح تحديد هدف تمويلي جديد يصل إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2035، بحسب قول رئيس اتحاد الجمعيات البيئية (الاتحاد النوعي) عمر الشوشان.

وبرأيه، يشكل هذا الهدف المقترح نقلة نوعية مقارنة بالتعهد السابق الذي التزمت به الدول المتقدمة بتوفير 100 مليار دولار سنوياً، والذي لم يتم الوفاء به بشكل كامل. 

وتؤكد الدول النامية، عبر مجموعة الـ77 والصين، أن التمويل الجديد يجب أن يكون عادلاً وكافياً ومتوافقاً مع مبدأ العدالة والمسؤولية المشتركة ولكن المتباينة، بحيث يتحمل كل طرف نصيبه وفقاً لقدراته ومسؤوليته التاريخية عن الانبعاثات، تبعا له.

وعبر متابعته لمجريات المفاوضات، أكد الشوشان لـ"الغد" على أن هناك توافقاً واضحاً لدى دول الجنوب بمختلف مجموعاتها وتحالفاتها على وضع تمويل التكيف في قلب المفاوضات وبشكل واضح إجرائياً، وليس فقط إطلاق الوعود.

كما حرصت المجموعة العربية بدورها خلال جلسات النقاش أن تشدد على أن الوصول إلى اتفاق حول التمويل هو حجر الأساس لأي تقدم في ملفات التكيف والتخفيف.

وأشارت كذلك، بحد قوله إلى أن الدول العربية تواجه تحديات مناخية متفاقمة، تشمل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وشح المياه، ما يجعل الحاجة إلى تمويل موجه للتكيف أكثر إلحاحاً.

وفي الوقت الذي عارضت فيه المجموعة العربية إطلاق حوار جديد حول مواءمة تدفقات التمويل، لا بد أن نستذكر المبادئ التوجيهية لبرنامج عمل التخفيف، لا سيما فيما يتعلق بعدم فرض أهداف جديدة، وضمان الوصول إلى تمويل ميسر بعيداً عن عبء الديون التي تثقل كاهل الدول الأكثر هشاشة وفقراً، وفق تأكيداته.

وعلى المجموعة العربية، في رأيه، التشديد على ضرورة إدراج التزامات واضحة في نصوص القرار النهائي تضمن مضاعفة تمويل التكيف ثلاث مرات على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2025، مع تعزيز الشفافية في تتبع تدفقات التمويل وإقامة آلية رقابية مستقلة لضمان عدالة التوزيع.

وفي المقابل، ربطت الدول المتقدمة أي زيادة في التمويل بتحسين تقارير الشفافية وتوسيع قاعدة المساهمين لتشمل بعض الاقتصادات الكبرى الصاعدة، وهو ما رفضته الدول النامية معتبرة أن الالتزامات تقع بالدرجة الأولى على الدول المتقدمة وفق المادة 9.1 من اتفاق باريس للمناخ، التي تنص بوضوح على مسؤوليتها في تقديم الدعم المالي للدول النامية، تبعا له.

وتوقع الشوشان أن يشهد الأسبوع الثاني مفاوضات دقيقة حول صياغة الهدف التمويلي الجديد، الذي سيشكل حجر الزاوية في خريطة الطريق من باكو إلى بيليم، تمهيداً لاعتماده رسمياً ضمن حزمة القرارات الختامية للمؤتمر، في خطوة يأمل أن تمهد لمرحلة جديدة من العدالة المناخية وتمويل التكيف الفعّال في الدول النامية.

انعكاس سلبي 

ولعل ما تشهده الدول على صعيد التغييرات السياسية على مستوى القيادات والحكومات تنعكس تبعاتها بشكل أساسي على مجريات قمم المـناخ، وبصورة سلبية في الكثير من الأحيان، وفق رئيس مجلس جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة.

ولا يمكن الالتزام بما ورد في اتفاق باريس إذا لم يكن هنالك تحسينات تجريها الدول ليس فقط على الصعيد المحلي بل العالمي كذلك وعلى مختلف الأصعدة، سواء أكانت تشريعية أم سياسية، أم غيرها، تبعا له.

وفي ظل الوضع القائم لا يمكن لمحاسنة أن يبدي تفاؤله تجاه مخرجات القمة، وأن تفضي المفاوضات لنتائج قد تتسم بالتميز عن سابقيها من القمم.

ولعل مرد ذلك للسياسات المحلية التي تتخذها الدول من بينها الأردن إذ من وجهة نظره ما يزال يشهد تباطؤًا في العمل المناخي، وخير دليل على ذلك القيود التي فُرضت على السيارات الكهربائية، كما ذكر محاسنة لـ"الغد".

وكل تلك السياسات تزيد من أزمة المناخ المتطرفة، لذلك على القادة والمفاوضين الرسميين المجتمعين حالياً في القمة اتخاذ خطوات فعلية حقيقية للتعامل مع هذه الأزمة، بعيداً عن التعهدات فقط، وفقاً له.

تفاؤل حذر

وقد يكون ما يُميز هذه القمة أن تركيزها الرئيسي ينصب على الحلول القائمة على الطبيعة باعتبارها أداة مركزية لمعالجة التغير المناخي، وتعزيز قدرة الأنظمة البيئية والمجتمعات على التكيّف، بحسب الخبير في شأن التنوع الحيوي إيهاب عيد.

ومن المتوقع، بحد قوله، أن تدفع الدول نحو تحقيق تقدّم بـ3 مسارات أساسية، وهي تعزيز التمويل الموجَّه لمشاريع استعادة النظم البيئية وحماية الغابات، ووضع معايير واضحة لقياس أثر الحلول القائمة على الطبيعة ودمجها في التزامات الدول المناخية المقبلة.

ومن بين المسارات كذلك، بحسب عيد، توسيع دور المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية، وضمان مشاركتها الفعلية في إدارة الموارد الطبيعية.

ورغم الزخم السياسي، أكد عيد على وجود الاعتراف بأن التحديات ما تزال قائمة، خصوصاً ما يتعلق بترجمة التعهدات إلى تنفيذ فعلي، وسد فجوة التمويل بين الدول المتقدمة والنامية، ومنع استخدام الحلول القائمة على الطبيعة كبديل عن خفض الانبعاثات من المصادر الرئيسة للتلوث.

 ولفت إلى أن نجاح أي مخرجات يتطلب حوكمة شفافة وآليات متابعة ومساءلة واضحة.

أما بشأن التوقعات العامة من مخرجات القمة في أسبوعها الأخير، فإن عيد يتبنى مقاربة تقوم على التفاؤل الحذر، ويكمل قائلاً بهذا الشأن: "أنا لستُ متشائماً من المؤتمر وما قد ينتج عنه كقرارات، إذ توجد مؤشرات إيجابية مهمة، أبرزها وضع الطبيعة في قلب المفاوضات، وتزايد الضغط العلمي والشعبي لدفع الدول نحو التنفيذ".