منى الغانم تكتب: “من أَروِقَةِ المَكاتِب الحُكوميَّة، تَنسُجُ الأخلاقُ نَهضةَ الوطَن…”

بات الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة ومدونة قواعد السُّلوك الوظيفي مَطلبًا مُلحًّا، في ظل توقع المواطنين المتزايد من الموظفين العموميين أن يكونوا نموذجًا للنزاهة والشفافية والانضباط في إنجاز العمل، مما يزيد من ثقة المواطن كمتلقي للخدمة بنزاهة عمل المؤسسات الحكومية. فبين الإنجازات التي تحققت والتحديات التي ما تزال قائمة، ترسم الحكومة والمسؤولون صورة متطورة ومثالية في السَّعي لبناء مؤسسات عامة فعّالة ومسؤولة.
*ترتكز هذه المدونة على عدة مباديء على جميع الموظفين الخاضعين لنظام الخدمة المدنية الأردني الالتزام بها وتشمل:
العدالة، والنزاهة المهنية ، والشفافية، والحياد، وتكافؤ الفرص، والمساءلة، وتحمل المسؤولية، والانتماء للوطن والدائرة التي يعمل بها الموظف والحرص على تحقيق رسالتها واهدافها، وأي مخالفة لأحكام هذه المدونة تستوجب المساءلة واتخاذ العقوبات التأديبية.
*واجبات الموظف العام ومسؤولياته الواردة ضمن مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة تتلخص بالتالي:-
*توخي النزاهة والامانة والدقة والعدالة في أداء مهامه ضمن الانظمة والقوانين المعمول بها.
*استثمار أوقات الدوام الرسمي في تحقيق اهداف الدائرة او المؤسسة التي يعمل بها.
*تقديم الخدمات والمقترحات الفاعلة والسعي لتطوير ادائه ومهاراته المهنية بما يخدم مجال عمله.
*عدم الاضراب عن العمل أو تحريض الغير على ذلك والامتناع عن كتابة او تنظيم العرائض الجماعية.
*الابتعاد عن أي أعمال أو سلوكيات تنتهك الآداب العامة أو الإساءة للمعتقدات الدينية والآراء السياسية أو التحريض ضدها.
*احترام حقوق الآخرين والحرص على مصالحهم بكل تجرد وموضوعية وإنجاز معاملاتهم بدقة وبسرعة والسعي لكسب ثقتهم بما يتوافق مع الانظمة والقوانين مع العناية بذوي الاحتياجات الخاصة.
*التعامل مع الوثائق الرسمية والمعلومات بسرية وعدم استغلالها لغايات شخصية.
*تنفيذ أوامر وتوجيهات رؤسائه وفق التسلسل الاداري وضمن القوانين المعمول بها (الا اذا كانت مخالفة للتشريعات والقوانين النافذة) واحترامهم وعدم خداعهم وإعلامهم بأي تجاوزات والابتعاد عن الواسطة والمحسوبية.
*عدم إعاقة سير العمل أو إخفاء معلومات تتعلق به بهدف التضليل أو التأثير على القرارات المتخذة والمصداقية في تقديم المشورة لاصحاب القرار والرؤساء بما فيه مصلحة العمل.
*احترام زملاء العمل وبناء علاقات ودية وسليمة والامتناع عن الاساءة لهم والارتقاء ببيئة العمل.
*تَمَثُّل القدوة الحسنة للمرؤوسين والاشراف عليهم ودعمهم ومساءلتهم وتقييمهم بموضوعية، واحترام حقوقهم ونقل المعرفة والخبرة الى زملاء العمل.
*الامتناع عن الإدلاء بأي تصريح او مداخلة لمواضيع لا زالت قيد الدراسة والمداولة.
*عدم قبول او طلب الهدايا والأعطيات والضيافات والتبرعات الا اذا كانت تعود بالنفع للمؤسسة وضمن ضوابط وشروط بعد إعلام الرئيس المباشر خطيا.
*الامتناع عن القيام بأي نشاط فيه تضارب بين مصالحه الشخصية والمصلحة العامة او اي نشاط لا يتناسب مع موضوعية أدائه او يسيء لسمعة الدائرة التي يعمل فيها.
*المحافظة على المال العام وعدم استخدام وظيفته لتحقيق مكاسب مالية، أو بناء علاقات شخصية مع أفراد أو مؤسسات قد تؤثر على قراراته ودائرته أو تروج لمؤسسات وأطراف اخرى.
*التحديات التي قد تواجه الالتزام بمبادئ مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة:
١-ظاهرة “الواسطة” والمحسوبية:
تُعد من أبرز التحديات التي تؤثر على العدالة وتكافؤ الفرص ومسارات التوظيف والترقية في القطاع العام.
٢-التفاوت في التطبيق على أرض الواقع: بعض المؤسسات تطبق المدونة والمعايير الوطنية بصرامة، بينما في مؤسسات أخرى تكون النظرة الشكلية للالتزام دون متابعة حقيقية او مساءلة.
٣-ضعف التوعية والتدريب:
وجود مدونات وأُطر قانونية ليس كافيًا إذا لم يكن هنالك تدريب مستمر وورش عمل لأداء الموظفين على القيم الأخلاقية والمهنية.
٤- ضعف المساءلة والرقابة:
هناك حاجة لتقوية الأجهزة الرقابية الداخلية والخارجية، وتفعيلها بما يشمل التحقيق الفوري والمحاسبة الحقيقية.
*توصيات لتعزيز الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة…
من خلال الاطلاع على دراسات محلية ودولية، يمكن اقتراح التوصيات التالية:-
• ضرورة تضمين مدوَّنات السلوك، والأخلاقيات، ومعايير النزاهة ضمن برامج التهيئة الوظيفية والتدريب قبل الخدمة والتدريب المستدام للموظفين، مع التركيز على حالات واقعية تمس المواطن.
• تكثيف الجهود لتوعية المجتمع المدني بمدى أهمية سجلات المحاسبة والشفافية، وتمكين المواطنين من متابعة الأداء العام.
• تحسين التشريعات الخاصة بحماية المبلِّغين عن المخالفات، بحيث تُوفر حماية قانونية واجتماعية للذين يكشفون الفساد دون خوف من الانتقام.
• تفعيل دقيق لآليات تقييم أداء الموظفين لتشمل مؤشرات الالتزام بالأخلاقيات، وجعلها جزءًا من معيار الترقية، والمكافآت، سواء من الناحية المادية أو المعنوية.
• تعزيز وتطوير دور الهيئات الرقابية والمراجعة الداخلية والخارجية، وزيادة استقلاليتها وشفافيتها، مع نشر تقارير دورية للهيئات المشرفة والممارسات التي تمّت، حتى لو كانت سلبيّة، كآلية ردعية ومحاسبية.
إن الأردن قد قطَع مراحلَ مهمة في ترسيخ مدونات السلوك وأخلاقيات المهنة العامة، فالثقة الشعبية مؤثرة جدًا، وهي تتأثر ليس فقط بما ينصّ عليه القانون، بل بكيفية تطبيقه، وبشفافية الإجراءات، وبعدم تسامح المجتمع أو الأفراد مع الانحرافات المسلكية والوظيفية.
ختامًا… يتبيّن أن أخلاقيات المهنة العامة ليست مجرد مبادئ نظرية، بل هي منظومة قيمية تُسهم في بناء مؤسسات قوية وموثوقة. فحين يلتزم الموظف العام بالنزاهة والمسؤولية والشفافية، ويُدعم ذلك بأنظمة رقابية فعّالة، تتعزز ثقة المجتمع بالدولة، وتترسخ أسس التنمية والاستقرار. ومن ثمّ، فإن الاستثمار في ترسيخ الأخلاق المهنية الايجابية ضرورة وطنية لضمان مستقبل أكثر ازدهارًا وجودة أعلى



















