عمر شاهين يكتب :- ألم ينتبه أحد لشعبية تلك المدفأة؟

وأنا أشاهد ما عُرض عن مدفأة الغاز «الشموسة»، اكتشفت أن مذيعي البرامج الحوارية مغيَّبون كليًا عن واقع المجتمع الفقير. فلا نكتفي بغياب أصحاب القرار الاقتصادي والسياسي، ليُضاف إليهم الإعلاميون أيضًا؛ والسبب أن أغلب هذه الطبقات تعيش في مجتمعات مرفَّهة.
يتحدثون عن السلامة العامة والأمن بعقلٍ مرفَّه، لا يعرفون أن هناك عائلات تجمع مواد بلاستيكية للحصول على الدفء، وأخشابًا من الشوارع. ولم يقفوا يومًا في منخفضٍ جويٍّ ليشاهدوا أطفالًا يعبّئون الكاز في زجاجة لتر!
يتحدث مذيع، ومسؤول، ونائب، براتبٍ يصل إلى (3000) دينار، بكل رخاء عن شروط السلامة العامة والأمان، ولا يدرون أن هناك من يبحث عن البلاستيك والأخشاب ليصنع أيّ دفء. ولا يسألون: لماذا يشتري المواطن مدفأة وُجدت أصلًا كموقد خارجي للدفء، ذات تهوية مفتوحة وليست مغلقة؟
الغريب أن أحدًا لم يسأل عن شعبية هذه الأنواع من الصوبات، التي يشكّل طول بربيشها ووجود جرة الغاز قربها خطرًا حقيقيًا. لكن، أمام العجز المالي الذي وصل إليه الناس، ألم يسأل أحد: لماذا تفوقت هذه الصوبات على الكاز والغاز والكهرباء؟ ولماذا اتجه الناس إليها؟
السبب أن المسؤول الأردني اليوم بعيد بمسكنه عن أغلب الطبقات الفقيرة، ولم يعد يعرف عنهم شيئًا.
لم يعد المواطن يستطيع استعمال الكاز، الذي رجونا الحكومات سنوات طويلة أن تخفّض سعره في أشهر الشتاء الباردة. ولا يستطيع شراء صوبة غاز «رومو» ثمنها (120) دينارًا، أو (100) أو (80) دينارًا، دون احتساب ثمن الجرة. لذلك اتجه للبحث عن مدفأة ثمنها (18) إلى (25) دينارًا. وقد علمت أن لها ساعة غاز خاصة، كان المواطن لا يشتريها.
كان الناس من الطبقات الفقيرة والمتوسطة يستعملون صوبات الديزل (البواري)، فارتفع سعره. ثم اتجهوا إلى صوبات الكاز فارتفع سعره، ثم استعملوا الكهرباء فارتفع سعرها، ثم الغاز. وشكرًا للحكومة التي حافظت على سعر الجرة (7) دنانير، لكن سعر المدفأة كان العائق؛ فاتجه المواطن إلى هذا النوع لرخص ثمنه، كما قلنا: (18) دينارًا تقريبًا، مقابل الأفضل منها «رومو» بـ(120) دينارًا.
مع بداية نشاطي في الكتابة الاجتماعية والسياسية، اتجهت دينيًا ووطنيًا إلى محاولة دعم الفقراء — وما أكثرهم في مدينتي — اعتمادًا على دعم بعض الأصدقاء الميسورين، لترك أثرٍ تقدّمه لوطنك، وأجرٍ يسبقك يوم القيامة، وذلك في فترات معيّنة من كل سنة.
وبعيدًا عن الطمأنينة في الظروف الصعبة، كشهر رمضان وبداية السنة الدراسية، شكّلت التجربة الطويلة خبرةً في قراءة الظروف الاقتصادية لطبقةٍ بعيدة كليًا عن السياسيين والإعلاميين والمنتخبين، إلا من تحرّك نحوهم وأدرك معاناتهم الداخلية. ولم أتحدث هنا عن الظروف الاقتصادية المتزايدة مع ارتفاع كلف الحياة من أجرة البيوت، وثمن المواد الغذائية، والكهرباء، والاتصالات؛ واكتفيت بالحديث عن التدفئة.
وبعيدًا عن الاسم التجاري لتلك المدافئ الجديدة التي كنت أراها في شوارع الزرقاء، أراد صديق متبرع من الأردنيين العاملين في الإمارات التبرع بمدافئ. وعندما كنت أسأل العائلات عن وسيلة التدفئة المرغوبة، كانوا يطلبون تلك المدفأة — ولا أقصد الاسم التجاري الذي أعلن عنه بيان الأمن العام — وإنما نوعها، لاعتقادهم أنها تخدم لساعات أطول، وتُستخدم للطبيخ والشاي والقهوة، وكذلك لتسخين الماء.
وخارج إطار وسائل الأمان — رغم أنني قرأت أن الشركة الخاصة تقول إن لها وسائل أمان إذا استُعملت ساعتها الأصلية — فإن بربيشها الطويل، الذي يصلها بالجرة، طوله مخيف بين أقدام الأطفال.
على كل حال، برأيي في الشتاء يمكن استعمال حرام أو فروة، لكن معاناة الصيف للطفل أشد صعوبة.
وتذكروا دائمًا: الأيام الجميلة لم تأتِ بعد.
ملاحظة: من توفي في الحادث صديقي منذر النجار وعائلته، وجاري معن السوري وعائلته. وأشكر المسؤول الوحيد في وطني الذي زارهم في المستشفى، وهو محافظ الزرقاء.
كنت أتمنى — بعيدًا عن البطولات أمام الكاميرات والمواقع الإخبارية — زيارة المكان.
تأثرنا بالحادث، ودعونا في نفس المكان لحملة تدفئة للمحيطين، فكان الناتج فقط عشر عبوات كاز.
كنا ونحن صغار يقولون لنا: «ادخل للبيت كي لا تموت في الخارج بردًا»، فأيهما أصعب: الموت في الخارج بردًا، أم في الداخل خنقًا؟
قلتُ: كل مرة تضيع الحقيقة، ويكون معها ضحية، ولكن يوم القيامة سيقول رب الأرضين والعدل:
﴿فَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾
*
مدوّن وكاتب أردني


















