+
أأ
-

م. محمد الحواتمة : منتخب النشامى… لا نملك المليارات لكننا نملك الرجولة

{title}
بلكي الإخباري

المهندس محمد العمران الحواتمة

نحن كأردنيين لم نكن نتابع المنتخب من خلف الشاشات فقط، كنا واقفين معهم في كل دقيقة، نحمل نفس الثقل ، ونشعر بنفس الضغط ونعرف تماما حجم الفجوة ، لا لأن أحدا شرحها لنا ، بل لأننا نعيشها في كل تفاصيل حياتنا . كنا نعرف أننا نواجه منتخبات صرفت عليها مليارات وأننا ندخل مباريات غير متكافئة على الورق ، لكننا دخلنا بثقة من يعرف أن الكرامة لا تحتاج ميزانية .

نعم ، الفجوة كانت هائلة والواقع لم يكن رحيماً وكل الأرقام كانت ضدنا . منتخبات تدار بأموال دول وبنية تحتية تبنى كأنها مدن وأسماء تشترى لترهب قبل أن تلعب . وفي الجهة الأخرى ، كان الأردن بموارده المحدودة ، بلا ضجيج ، بلا بهرجة وبلا أعذار . ومع ذلك ، لم نكن أقل ولم نكن خائفين ولم نكن مستعدين أن نكون مجرد رقم في مشهد غيرنا .

نحن فخورون ، لا لأننا نافسنا فقط ، بل لأننا قاتلنا بصدق . فخورون بلاعبين دخلوا الملعب وهم يعلمون أن أي تراجع سيفسر ضعفاً وأن أي استسلام سيحسب خيانة لقميص وطن كامل. فاختاروا الطريق الأصعب ، أن يركضوا أكثر وأن يحتكوا أكثر وأن يصبروا أكثر وأن يتحمل كل واحد منهم مسؤولية نفسه ومسؤولية من خلفه .

لم نر منتخب يلعب بالأسماء ، بل رأينا رجالاً يلعبون بالروح . لم نر استعراضاً ، بل التزاماً قاسياً . لم نر وعوداً ، بل أفعالاً . كل كرة كانت معركة وكل تدخل كان رسالة وكل دقيقة صمود كانت رداً مباشراً على كل من اعتقد أن المال وحده يصنع الفارق . ما رأيناه في الملعب كان صدقاً نادراً في زمن التزييف .

نحن فخورون لأن القميص لم يدنس ، لأن الجهد لم يقتصد ولأن العرق لم يوفر . فخورون لأن المنتخب لم يطلب الشفقة ولم يبحث عن أعذار ولم يساوم على شخصيته . لعب كما يلعب الأردني حين يحاصر ، بهدوء وبعناد وبإيمان أن التراجع ليس خياراً .

وحين نقول إننا فخورون فنحن لا نبالغ . نحن نتحدث عن منتخب أنهى المشهد ثانياً عربياً ، لا بالصدفة ولا بالمجاملة، بل بالعمل والالتزام والمواجهة. هذا المركز لم يكن رقماً في جدول ، بل شهادة رسمية أن الأردن كان حاضراً بين الكبار وأنه سبق من صرفوا أضعاف ما صرف وتقدم على من امتلكوا ما لم يمتلك .

هذا ليس إنجازاً عابراً ، هذا موقف تاريخي . موقف يقول إن الأردن ، حين يستفز ، لا ينهار . وحين يحاصر ، لا يهرب. وحين يوضع أمام فجوة ظالمة ، لا يشكو بل يعبرها بالعرق . نحن لا نحتاج من يشرح لنا قيمة ما حدث ، نحن نشعر بها ، لأنها تشبهنا وتشبه طريقتنا في مواجهة الحياة .

نحن فخورون لأن المنتخب مثلنا كما نحن بلا تجميل . قليل الإمكانيات كثير العزيمة . محدود الموارد واسع الإرادة . واقعي ، لكنه لا يقبل الدونية . وما رأيناه لم يكن مجرد كرة قدم بل صورة وطن كامل قرر أن يقول ، نحن هنا ، ولسنا أقل .

لهذا ، نقولها بوضوح وقسوة المال لم يهزمنا والفجوة لم تكسرنا ، والواقع لم يسكتنا . خرجنا مرفوعي الرأس وخرج لاعبونا وهم يعلمون أن خلفهم شعباً يثق بهم ، ويحترم ما قدموه ، ويعرف أن ما فعلوه يكتب ولا ينسى .

شكرا للنشامى ، لا لأنكم فزتم فقط ، بل لأنكم كنتم صادقين . شكرا لأنكم حملتم القميص كما يحمل الشرف . وشكراً لأنكم أثبتم لنا ولغيرنا ، أن الأردن لا يحتاج أن يكون الأغنى ليكون الأصدق ولا الأقوى مالاً ليكون الأقوى كرامةً .

نحن فخورون بكم ، عن أنفسنا وعن كل أردني يعرف معنى الوقوف في وجه الصعب .

 

النشامى… مركز ثاني عربياً، ومركز أول في الكرامة