+
أأ
-

دفوزان العبادي يكتب : الأحزاب الأردنية بين بناء القدرات… وتجارة المؤتمرات والتدريب

{title}
بلكي الإخباري

 

 

تحوّلت الأحزاب السياسية في الأردن، عن قصد أو غير قصد، إلى سوقٍ مفتوح لبعض تجّار المؤتمرات وورش العمل، حيث تُصرف آلاف، بل ملايين الدنانير، تحت عناوين براقة مثل التدريب، وبناء القدرات، والإعداد السياسي، دون أن يلمس الشارع أو الحياة الحزبية أثرًا حقيقيًا يوازي حجم هذه الإنفاقات.

المفارقة اللافتة أن معظم هذه الورش والمؤتمرات تعاني من ظاهرة التكرار؛ ذات الوجوه، وذات الأسماء، وذات العناوين، وكأننا ندور في حلقة مغلقة من “التدريب على التدريب”، بينما تبقى القواعد الحزبية الأوسع خارج المشهد، بلا تأهيل حقيقي أو تمكين فعلي.

الأكثر إرباكًا في هذا المشهد، أن هذه الجهات التي تدير الورش والمؤتمرات تعود في النهاية لتطلب من الأحزاب ذاتها ترشيح المشاركين. أي أن المال يُصرف خارج الأحزاب، والخبرة تُدار خارجها، ثم يُعاد تدوير كوادرها نفسها في القاعات ذاتها. مفارقة تكاد تكون مضحكة… لولا أنها مكلفة سياسيًا ووطنيًا.

ولو طُرح السؤال ببساطة:

ماذا لو قُدمت هذه الأموال مباشرة إلى الأحزاب؟

ليس كدعمٍ ماليٍ بلا ضوابط، بل كتمويلٍ مشروط ببرامج تدريبية واظحة، وخطط زمنية، ومؤشرات أداء، مع رقابة ومحاسبة. معظم الأحزاب الأردنية تمتلك أصلًا مراكز أو مدارس تدريب حزبي، أو على الأقل القدرة التنظيمية على إدارتها. ولو أُتيحت لها الموارد، لاختلف المشهد كثيرًا، وتحوّل التدريب من نشاط موسمي إلى عملية تراكمية مستدامة.

وليس هذا الطرح نظريًا أو رومانسيًا. فقد شهد الأردن تجربة سابقة عبر صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، حين تم تمويل الأحزاب لتنفيذ برامج تأهيل وتدريب وفق رؤيتها واحتياجات منتسبيها، وعلى مدى عامين متتاليين. تجربة أثبتت نجاحها في حينه، وخلقت حراكًا داخليًا حقيقيًا داخل بعض الأحزاب، وأسهمت في بناء كوادر أكثر وعيًا وتنظيمًا.

لكن، وبدون تفسير مقنع للرأي العام أو للأحزاب نفسها، تم إيقاف تلك التجربة، وأُعيد توجيه الميزانيات مرة أخرى إلى النموذج القديم: وسطاء تدريب، وشركات مؤتمرات، وعناوين جاهزة، وأثر محدود.

وهنا يبرز السؤال الجوهري الذي لا يمكن تجاهله:

هل ما يجري يعكس عدم ثقة بالأحزاب السياسية وقدرتها على إدارة مواردها وبناء كوادرها؟..

أم أن هناك قناعة ضمنية بأن الأحزاب عاجزة عن صنع الفارق بنفسها، مهما توفر لها من أدوات؟

إن كانت المشكلة هي الثقة، فالحل لليس الالتفاف على الأحزاب، بل إخضاعها لمعايير واضحة، وربط التمويل بالنتائج، لا بإقصائها لصالح سوقٍ بات مستفيدًا دائمًا من ضعف الحياة الحزبية.

وإن كانت المشكلة هي القدرة، فكيف يُراد للأحزاب أن تتطور وتتحسن إن لم تُمنح الفرصة والمسؤولية معًا؟

في النهاية، لا يمكن بناء حياة حزبية فاعلة عبر قاعات الفنادق وحدها، ولا من خلال تكرار الأسماء والعناوين. الاستثمار الحقيقي يجب أن يكون في المؤسسة الحزبية ذاتها، لا في محيطها التجاري. أما الإصرار على النهج الحالي، فلن ينتج سوى مزيد من الورش… وقليل من السياسة.

وسيبقى السؤال مفتوحًا، وبحاجة لإجابة صريحة:

هل نريد أحزابًا قوية تصنع كوادرها، أم سوقًا مزدهرة لتجار التدريب؟