وضاح خنفر: يبرر الفشل ويعود إلى غرف التاريخ هربا من مآزق الإسلام السياسي

وليس مستغربا أن يعطي لتلك السلسلة عنوانا لماحا مخصّبا برمزيات لن تخفى على أي مراقب “الربيع الأول: قراءة استراتيجية في السيرة النبوية”.
وقال خنفر إن البرنامج عبارة عن “سلسلة من الحلقات تتناول السيرة النبوية من منظور الاستراتيجية والقراءة الصحافية العميقة لسياق العالم القديم وموازين قوته وأخلاقه وثقافته ووعي الإنسان المشترك”.
وفي العودة التقليدية للغرف من التاريخ هروب تقليدي أيضا من الاعتراف بمآزق الحاضر، وهو تمرين رتيب لطالما لجأ إليه المنهزمون لعلهم يستدرجون من الغيب أجوبة عن واقع معلوم.
وإذا ما كانت الجماعات الإخوانية، التي لعب خنفر دورا رائدا في الترويج لمشاريعها من خلال موقعه على رأس قناة الجزيرة القطرية، تجهد هذه الأيام للخروج بخلاصات تفسّر الفشل المحقق في ميادين “الربيع″ العربي، فإن خنفر يحاول إيجاد ضالته في إعادة اكتشاف “السيرة”، كما لو أن الفيض الذي كتب منذ 14 قرنا وحتى الآن لا يعطي إسلاميي اليوم الرواية المناسبة.
لكن في تمرين خنفر مغامرة قد يشوبها ارتجال مقلق. والقلق ليس نابعا مما ستصل إليه قراءته “الصحافية” على حد قوله، بل من استخدام أحد الإسلاميين لأدوات غير شرعية في تقديم اجتهاد بما هو شرعي بالمعنى الفقهي للكلمة.
وكأن خنفر ذاهبا إلى تعرية الدين من دينيته ومعاملته معاملة العينات المادية التي يجوز فيها التشكيك والتأويل ونفي اليقين، شأنه في ذلك شأن المقاربات الماركسية (الملحدة) لوقائع التاريخ.
وإذا ما كان “الإسلام هو الحلّ” في النسخة التي سوّقتها جماعة الإخوان المسلمين على مدى العقود الماضية، فإن قراءة خنفر الجديدة تطرح أسئلة عن أي إسلام يتحدث وعن أي حلّ. فالرجل يتخلى عن “الرواية الإسلامية” كمصدر وحيد لفهم الدين والسيرة، ليلجأ إلى مصادر بيزنطة وبلاد فارس والحبشة..، لينتهي إلى أي خلاصات، أو إلى خلاصات محددة، تحاكي نظريته العتيدة الواعدة.
ويعلن خنفر عن نهاية الإسلام السياسي بالنسخ المتداولة. لم يعد الرأس المصري موجودا وبدت مصر نافرة من أي مقاربة تعيد جماعة “الإخوان” إلى يومياتها.
ويضع راشد الغنوشي في تونس حدا نظريا فاصلا بين “الدعوي” و”السياسي”. ويغلق رجب طيب أردوغان كتابا شعبويا مغامرا ويهرع لمصالحة روسيا وإسرائيل. وفي ظل كل ذلك يستدرج خنفر رواية أخرى للتاريخ علّها تنتج رواية أخرى للحاضر.
وتندرج محاولة رجل “الجزيرة” القديم في خانة المراجعات التي ما فتئت جماعات الإسلام السياسي تتحفنا بها كلما عانت من خناق وأدركت فشلا.
وكان لهزيمة “الجماعة الإسلامية” في مصر في عهد مبارك وقعها في إخراج المراجعات علي يد قياداتها مثل كرم زهدي وناجح إبراهيم وتوجت بتلك التي كتبها سيد إمام شريف (الدكتور فضل) قائد حركة الجهاد.
جاءت بعد ذلك المراجعات التي صدرت عن “الجماعة الإسلامية المقاتلة” في ليبيا تحت وقع هزيمة أنزلها نظام القذافي بها. لكن ثبت بعد ذلك أن أي انتعاش يشعر به الإسلاميون، بكافة مشاربهم سواء كانوا معتدلين أومتشددين، يدفعهم نحو إسقاط مراجعاتهم والتبرؤ منها.
يسعى خنفر إلى تفسير “السيرة” تفسيرا بشريا يجردها من أي بعد مقدس، على ما درج أن يكون مقاربة العلمانيين للدين وليس الإسلاميين.


















