+
أأ
-

منظومة التعليم في اليابان سبب عظمة اليابان

{title}
بلكي الإخباري تدريب المعلم بعد الالتحاق بالخدمة

الأستاذ الدكتور محمد ابودية معتوق-رئيس الجمعية الأكاديمية الأردنية اليابانية

لعل اهم سر في نجاح العمل في اليابان هو التدريب وبشكل عام اي موظف سواء في القطاع العام او الخاص يجب ان يخضع الى تدريب قبل ممارسة العمل فعلى سبيل المثال معظم الشركات تطلب من الموظفين الجدد ان يخضع الى دورة تدريبية في مجال العمل الذي سوف يقوم به وذلك عن طريق الحاقه بموظف اقدم منه لديه كامل المعرفة والخبرة ويتبنى هذا الموظف الجديد ليعلمه بكافة وخفايا الامور التي تخص مجال عمله ويسمى هذا بالمصطلح الياباني (سينباي) اي اعلى منه درجة وموجهه المباشر في العمل والشي الظريف والمهم ان السينباي يقوم بتقديم دليل للعمل الذي يحتوي تراكمات من الخبرة والنقاط التي تخص مجال عمله فقط ، وهي نقطة مهمة جدا في اي عمل لانه يوفر كثير من الجهد والمتابعة للاخرين والموظفين .

فعلى سبيل المثال لو حضر مراجع الى مكان العمل وطلب الاستفسار عن السير باجراءات معاملة لهذا الموظف الذي تم تديربه لن يجيب المراجع مباشرة دون الرجوع الى الدليل الذي علمه له السينباي ، فيقوم باجابة المراجع بما هو مكتوب لديه بكل ثقة ولن يفوته شي ،وبذلك يضمن توفير وقت المراجع وجودة للخدمة التي يقدمها. ومن فوائد هذا النظام ان المراجع سوف يقوم باحضار كافة الوثائق الى الموظف مكتملة فلن يسمع اين الوثيقة هذه او تلك ولماذا لم تحضر الهوية او جواز السفر فكل هذا مرفوض في العمل والا لماذا لم تطلب منه ذلك في بداية تقديم طلبه .ومثل ما يحصل الموظف على تدريب في العمل يجب ان يكون المعلم كذلك على قدر عالي من التدريب في مجال عمله ايضا اذ ان تدريب المعلم بعد التحاقه بالخدمة من أهم الأمور التي يجب أن لا تغفل عنها الموسسة التعليمية وذلك لضمان جودة التعليم وللوصول الى المخرجات التعليمية السليمة يجب على المعلم الكفء ان يكون قادرا على أداء واجبه دومًا وعدم الاكتفاء بالإعداد الاولي في الجامعة أو بالاختبار عند التعيين ، اذ ان عدم التدريب سوف يودي الى إهمال المعلم وعدم القدرة على متابعة أدائه وتطويره ، وبناء على هذا فلا غرو ان التعليم في اليابان يعطي اهمية كبرى الى تدريب المعلم أثناء الخدمة وبشكل مستمر ودون انقطاع ، وهذا ما يتم غالبا بخطوات سهلة وبسيطة بعيدة عن التعقيد ، فاولا يتم تدريب المعلم لمدة عام في برنامج تدريب المعلمين أثناء الخدمة داخل المدارس، بواقع يومان في الأسبوع، ويقوم بالتدريب المعلمون الاقدم في العمل وهذا ينطبق على ما ذكرناه سابقا السنباي ويكون هذا القائد (السنباي) من المعلمين ذوي الخبرة . وغالبا ما يكون محتوى التدريب عبارة عن لقاءات تتم فيها مناقشة أساليب التدريس وكيفية السير بوضع خطط الدروس . ومن فوائد هذا النظام ان المعلم يقدر بطريقة غير مباشرة من هو اقدم منه في المعرفة والخبرة ، وبذلك يعرف المعلم من هو اقدم في الرتبة والمنصب اذ لا يجوز ان يكون المدرب اقل خبرة وسنا من الذي يريد ان يدربه . وهذا النظام له فوائده أيضا بان المعليمين يتم تصنيفهم كلا حسب الاقدمية وتصنيفهم من الادنى الى الاعلى بحيث تجد دائما شكل هرمي داخل المؤسسة منتظم ويحترم ، اضف الى ذلك ان المدرس سوف يحترم من هو اعلى منه ولو بيوم واحد ، فلا شك ان هذا النظام اشبه بالتنظيم العسكري ، فيلاحظ هنا ان المدرسة بكل مكوناتها هي اقرب الى الثكنة العسكرية كل واحد يحترم الاخر سواء المدرس او الطالب ، بل ينفذ كل ما يطلب على مبدأ نفذ ثم ناقش. وبالمناسبة نفس هذا النظام يطبق بين الطلبة وقد يكون مجال في مقالات لاحقة سوف نتطرق الى هذا النظام بين الطلبة. وبالمحصلة نرى ان العملية التعليمية من المعلم المبتدأ ثم المتوسط ثم الخيير (داي سيناباي)، والاصغر يحترم الاكبر لانه معلمه او قائده (سنباي) فلن تجد نوع من التنافس او الحقد بل الاحترام المتبادل . إضافة الى هذا فان المسؤلية الأولى والأخيرة يجب ان تقع على المعلم فعند نهاية البرنامج التدريبي يتم استبعاد المعلمين الذين لم يستطيعوا اجتياز الدورة التدريبية بنجاح بدون أي تذمر او حقد لان في العملية والمنظومة التعليمية لا يوجد مكان لمن لا يصلحون للتدريس ، وهنا يجب ان نذكر ان نادرا بل قليل جدا من لا يجتازون هذا البرنامج التدريبي لان الياباني لا يعرف الهزيمة ويبذل كل جهده لاجتياز هذا الامتحان لان ذلك يعتبر عار عليه فان اخفق قد يدفع حياته ثمن لذلك .
ويستطيع المعلم في اليابان أن يرتقي بقدراته ومهاراته بشكل مستمر عن طريق الوسائل التالية:
1. من خلال التدريس الفعلي الذي يقوم به.
2. حضور دورات تدريبية ينظمها مجلس التعليم- بمقام وزارة التربية والتعليم- الذي يعتبر الجهاز الأول والأخير في تطوير المعلم.
3. الالتحاق بعضوية إحدى الدوائر المستقلة او الاندية – وهنا تجدر الإشارة الى ان المعلمين انفسهم يشكلون نادي متخصص لهم في مجال معين يلتقون به بشكل شخصي وليس رسمي- كل في مجال تخصصة أو أي مجال آخر من التدريس فعلى سبيل المثال قد تجد نادي لمدرسي الرياضيات او نادي لمدرسي العلوم وهكذا.
4- اجتياز عشرين يومًا من التدريب أثناء الخدمة، سواءً كان في مراكز تربوية، أو تحت إشراف معلمين متقدمين داخل المدرسة.
5 تدريب دوري كل عشرة أعوام وخاصةعندما تصدر طبعة جديدة من دليل المناهج الدراسية لتعريف المدرسين به.

ومن الأمور التي لم تغيب عنها منظومة التعليم في اليابان وهي اهم عنصر في سياسة التعليم هو نصاب المعلم من الحصص ، اذ يوجد في اليابان ثلاث فئات للمعلمين معلمي مرحلة رياض الأطفال ا والمرحلة الابتدائية حيث يقوم معلم واحد بتدريس جميع أو معظم المواد الدراسية للصف، وغالبا ما يكون نصاب المعلم في هذه المرحلة مرتفعا شي ما وهو بحدود 18 ساعة أسبوعياً. أما معلمي التعليم المتوسط –الاعدادي- فغالبا ما يكون المعلمون متخصصون في تدريس مواد معيينة فكل معلم مسؤول عن تدريس مادة أو مادتين دراسيتين لعدة صفوف ونصاب المعلم في هذه المرحلة تقريبا 14.4 ساعة أسبوعياً.. اما معلمي المرحلة الثانوية فهم متخصصين وعلى درجة عالية من الكفاءة ويدرسون مادة دراسية واحدة فقط ، ونصاب المعلم في هذه المرحلة (14) ساعة أسبوعياً . وبناء على هذا النظام يكون كذلك السلم الوظيفي للرواتب يتناسب مع مرحلة التدريس للمعلم فعلى سبيل المثال يتم تقسيم الرواتب في التعليم الى معلمي رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والمدارس الثانوية الدنيا، ومعلمي المدارس الثانوية العليا، ومعلمي كليات التقنية ، واخيرا مدرسي الجامعات والكليات المتوسطة ويتم تحديد درجة المعلم في سلم الرواتب بناءً على تحصيله العلمي ومدة خدمته في التعليم.

وناتي الان الى اهم ما يميز التعليم الياباني هو نظام القبول في الجامعات الذي يعتبر بحق من اصعب المراحل في التعليم الياباني ، وهو من اصعب المراحل في حياة الطالب والاسرة اليابانية فللحصول على مقعد جامعي في جامعة مرموقة يجب على الطالب ان يجتاز مرحلتين من الاختبار ، الامتحان الوطني لاجتياز المرحلة الوطنية وامتحان القبول في الجامعة التي يرغب الطالب بالالتحاق بها. وغالبا ما يلعب اسم المدرسة التي يلتحق بها الطالب دورا كبيرا في تحديد وجهة الجامعة التي يرغب الطالب الالتحاق بها . فعلى سبيل المثال يخضع الطالب في المرحلة الابتدائية الى امتحان قبول في المدارس المرموقة ، في المنطقة التي يقطن بها الطالب والتي تحدد نسبة الطلبة الذين يحق لهم الالتحاق بها على مستوى المحافظة او على مستوى المدينة ، ويكون الامتحان صعبا وومميزا للطلبة الذين يتمتعون بذكاء عالي ، ونجاح الطالب في هذا الامتحان القبولي في المدرسة يعني ضمان الحصول على مقعد في مثل هذه المدراس المرموقة تكون هي بداية الطريق نحو تحديد الجامعة التي يرغب الطالب الالتحاق بها ، وتركز هذه المدارس على نتائج امتحان الرياضيات والعلوم ، وهذا يكون في بداية مراحل التعليم الأساسي والمتوسط ، اما المرحلة الثانوية فانها تتطلب خضوع الطالب الى امتحان قبول اخر في المدرسة الثانوية ، أي ان الطالب لا يجتاز مرحلة الى مرحلة الا بخضوعه لامتحان وهنا نلاحظ الجهد والعبء الذي يتحمله الطالب والاهل من بداية المرحلة الاساسية الى نهاية المرحلة الثانوية التي تعتبر من اهم مراحل تقرير المصير في حياة الطالب .
وهنا نود ان نذكر ان الطالب في نهاية المرحلة الثانوية يخضع الى امتحان وطني في مدرسته ثم امتحان قبول في الجامعة وهذا الامتحان الوطني يكون مركزي ويتم فيه تحديد قدرات الطالب التي اكتسبها خلال (9) سنوات –بعد المرحلة الابتدائية- ويكون هذا الامتحان معد من قبل وزارة التعليم ولكافة الطلبة . وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية يتقدم الطالب الى امتحان وطني اخر تضعه الوزارة لامتحان القبول في الجامعات فقط ، الي يعقد سنويا في شهر كانون الثاني . وبشكل عام يتم اختيار عدة مواد من بين مواد اللغة الإنكليزية والرياضيات ومواد العلوم الطبيعية وما بين مواد العلوم الاجتماعية واللغة القومية ليؤدي الاختبار بها. فيتم تقسيم الطلبة إلى ممتحينين مواد العلوم الطبيعية والرياضيات لتخصصات ”علمية“، وممتحينين مواد العلوم الاجتماعية واللغة القومية لتخصصات ”أدبية“. وتختلف المواد التي تخضع للاختبار تبعاً للكلية أو القسم الذي يرغبون الطلبة في الالتحاق بها . وبعد اجتياز الامتحان يكون الطالب فعليا مؤهلا لدخول اي جامعة لكن نظرا لكثرة الاعداد من الطلبة ولمحدودية المقاعد المتاحة في الجامعات يتقدم الطلبة كلا حسب رغبته في الجامعة التي ينوي الدراسة بها لامتحان القبول الذي يعده غالبا اساتذة متميزين من نفس الجامعة ويكون هذا الامتحان على درجة عالية من الصعوبة بحيث يفرز هذا النظام الطلبة المميزين جدا الذين يحصلون على القبول في مثل هذا الجامعات ، ويعتبر حلم كل طالب الحصول على قبول في جامعة طوكيو مثلا ، فان نحج في امتحان قبولها كان محظوظا بل كان اصبح وساما للطالب ولمدرسته انه تاهل للحصول على مقعد جامعي في جامعة طوكيو.

وهنا نعود لما ذكرناه سابقا ان كثير من المدارس تبذل اقصى درجة من التعليم والمتابعة مع الطالب منذ المراحل الاولى لتمكنه من النجاح في هذا القبول الجامعي بل اصبحت مدارس معروفة ان جميع الطلبة الذين يتقدمون لامتحان هذا القبول ينجحون به ، فهذه المدارس لها سمعة مرموقة في تخريج طلبة يتمكنون من اجتياز امتحان القبول للجامعات المرموقة وهنا ملاحظة مهمة جدا ان المدارس ايضا بطريقة غير مباشرة يتم تصنيفها بانها مدارس مميزة بانها حصلت على اكبر عدد من القبول من طلبتها في مثل هذه الجامعات المرموقة ، وهذا يعني ان الطلبة يحددون مدارسهم منذ الصغر حتى يتمكنوا من الحصول على مقعد في جامعة مرموقة.