السياحة البنكية ..رؤية قابلة للتطبيق

هاني الدباس
في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة والتحديات التي تواجه القطاعات الإنتاجية والخدمية، بات دور البنوك في دعم السياحة الداخلية أكثر أهمية من أي وقت مضى. فلم يعد القطاع المصرفي مجرد مزود للخدمات المالية التقليدية، بل أصبح شريكًا استراتيجيًا في تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل، وتعزيز النمو المستدام، وتحفيز الاستثمارات المحلية.
وتُشكل السياحة الداخلية واحدة من أهم الأدوات الاقتصادية القادرة على تعزيز الطلب المحلي، وتحفيز الإنفاق، وتوليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مختلف القطاعات المرتبطة بها، مثل النقل، الضيافة، الترفيه، والخدمات التجارية. ومن هنا، فإن تكامل دور البنوك مع الاستراتيجيات الوطنية للسياحة يمكن أن يخلق بيئة استثمارية قادرة على استيعاب التطورات الاقتصادية، وتحقيق الاستدامة المالية للقطاع السياحي.
ركزت رؤية التحديث الاقتصادي على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان تنشيط القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها السياحة ، وتُعد المصارف المحلية جهة رئيسية في هذا التحول من خلال تصميم برامج تمويل مبتكرة تُمكّن المواطنين من استكشاف الوجهات السياحية المحلية بسهولة ويسر.
ولتحقيق تنشيط مستدام للسياحة الداخلية، يمكن للبنوك تقديم حزمة من الحلول التمويلية المبتكرة التي تعزز قدرة المواطنين على الإنفاق السياحي، وتحفّز الفنادق والمنتجعات والمرافق الترفيهية على توسيع نطاق خدماتها ورفع مستوى جودتها. ومن أبرز هذه الحلول:
البطاقات الائتمانية السياحية التي لم تعد مقتصرة على المعاملات المالية التقليدية، بل أصبحت بعض البنوك تطلق بطاقات ائتمانية سياحية تقدم مزايا حصرية للمواطنين الذين يرغبون في استكشاف بلدهم دون تحمل أعباء مالية كبيرة وتتيح هذه البطاقات تقسيط نفقات الرحلات الداخلية بدون فوائد أو بفوائد مخفضة، كما تمنح خصومات على الإقامة في الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية ، إضافة إلى ذلك، توفر بعض البنوك مكافآت استرداد نقدي عند استخدام البطاقة في مواقع سياحية محلية، مما يعزز من تجربة السفر الداخلي ويجعلها أكثر جاذبية للمواطنين.
وإدراكًا لأهمية السياحة الداخلية في تحفيز النمو الاقتصادي، بدأت البنوك بتطوير برامج تمويل سياحية موجهة خصيصًا لدعم الأفراد والمنشآت السياحية. فبالنسبة للأفراد، تتيح بعض البنوك قروضًا شخصية ميسرة تغطي تكاليف السفر الداخلي والإقامة الفندقية، مما يجعل تجربة السياحة الداخلية أكثر سهولة وشمولًا لمختلف شرائح المجتمع. أما بالنسبة للمنشآت السياحية، فتقدم البنوك قروضًا طويلة الأجل تهدف إلى تمويل عمليات التوسعة والتحديث في الفنادق والمنتجعات، مما يسهم في تحسين الخدمات السياحية ورفع مستوى التنافسية في القطاع.
لا يقتصر دعم البنوك للسياحة الداخلية على الأفراد فقط، بل يمتد إلى الشركات السياحية والفنادق من خلال شراكات استراتيجية تهدف إلى تعزيز القطاع.
وقد بدأت بعض البنوك في تقديم تمويل مخصص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تركز على تقديم خدمات سياحية مبتكرة، مثل السياحة البيئية والرحلات الثقافية. إضافة إلى ذلك، تعمل البنوك على دعم الفعاليات السياحية والثقافية الكبرى من خلال رعاية مباشرة أو تمويل ميسر، مما يسهم في استقطاب مزيد من الزوار وتعزيز مكانة الأردن كوجهة سياحية متكاملة.
ويمتد تأثير السياحة البنكية إلى أبعد من مجرد تحفيز الإنفاق المحلي، حيث تسهم في تحفيز عجلة الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإنفاق الداخلي، وبالتالي تنشيط سلاسل الإنتاج والاستهلاك المحلي ، ويسهم هذا التدفق المالي في تحفيز القطاعات الرديفة ، وتعزيز استدامة الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على السياحة الوافدة.
إلى جانب الأثر الاقتصادي، تساهم هذه المبادرات في تعزيز الشمول المالي، إذ إن توفير بطاقات ائتمانية سياحية وبرامج تمويل سهلة يجعل الخدمات المصرفية أكثر شمولًا وملاءمة لشرائح واسعة من المجتمع، مما يسهم في إدماج المزيد من المواطنين في المنظومة المصرفية وتعزيز ثقافة الادخار والإنفاق الذكي.
يمثل تكامل دور البنوك مع السياحة نموذجًا عمليًا لتحقيق هذه الرؤية ،
فالسياحة البنكية ليست مجرد فكرة تمويلية، بل هي استراتيجية اقتصادية متكاملة تعكس التوجهات الحديثة في الابتكار المالي لدعم القطاعات الحيوية. ومن خلال الشراكة الفعالة بين البنوك، والجهات الحكومية، والقطاع الخاص، يمكن للأردن تحقيق نقلة نوعية في تطوير قطاع السياحة الداخلية، مما يرسّخ مكانته كوجهة سياحية مستدامة، ويعزز قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.