أ. علا شربجي - على حافة الانفجار: محادثات ترامب وإيران في عُمان تحت مجهر العالم

بقلم علا الشربجي : إعلامية _كاتبة سياسية
بين طهران وواشنطن، لا شيء بسيط. التاريخ مثقل بالعقوبات، والتهديدات، والانقلابات، والرهائن. لكن رغم كل ذلك، كان اللقاء غير المباشر في مسقط بمثابة صدمة إيجابية للمراقبين.
في مسقط، العاصمة العمانية الهادئة، تجري أعنف المحادثات في المنطقة دون أن يُسمع صوتٌ واحد. بين واشنطن وطهران، لا مصافحات، لا صور تذكارية، ولا مؤتمرات صحفية مشتركة. فقط رسائل تمر عبر وسطاء، وأعصاب مشدودة تنتظر 19 نيسان علّه يكون اليوم الذي يُجنَّب فيه الشرق الأوسط اشتعالاً جديداً.
فبعد شهور من التصعيد الإقليمي والتخصيب النووي الجامح، تعود لغة التفاهم لتتسلل بهدوء بين السطور.
عودة المحادثات.. ولكن إلى أين؟
لا أحد يتحدث عن “اتفاق نووي شامل”. فالمزاج السياسي في واشنطن مقسوم، وطهران لا تثق بالبيت الأبيض. ومع ذلك، تدور المفاوضات في عُمان وكأن الجميع يتصرفون وكأن هناك اتفاقاً ما سيولد – اتفاق بلا توقيع، بلا صورة، وربما بلا اسم.
الهدف واضح: إيقاف الانزلاق نحو المواجهة. فمن جهة، تخصب إيران اليورانيوم بنسبة تقترب من حدود السلاح النووي. ومن جهة أخرى، لا تريد واشنطن (ولا إسرائيل) خوض حرب إقليمية شاملة. والنتيجة؟ “صفقة مؤقتة”، تخفف بعض العقوبات مقابل خطوات تقنية من إيران، مثل خفض التخصيب، أو وقف بعض أجهزة الطرد المركزي.
الشرق الأوسط في خلفية المفاوضات
هذه ليست محادثات نووية فحسب. في الخلفية، تتراقص ملفات غزة، والبحر الأحمر، والجولان، وبغداد. إيران تفاوض بأذرعها. والولايات المتحدة تفاوض بـ”رسائلها الجوية الدقيقة” عبر إسرائيل. كل طرف يعرف أن الملف النووي هو الباب، لكن المفاتيح كلها موزعة على خارطة الشرق الأوسط.
اللافت أن طهران لم تعد تخجل من توظيف ميليشياتها كورقة ضغط، كما أن واشنطن لم تعد تحاول نفي ضلوعها في بعض الضربات الجوية. التفاهم الإقليمي صار مشروطاً بالتهدئة النووية، والعكس صحيح.
هل نحن أمام استراحة محارب؟
نعم. هذه المحادثات ليست نهاية الطريق، بل مجرد هدنة سياسية. الإدارة الأمريكية تبحث عن عودة القطبية الواحدة وإيران عن تنفس اقتصادي. لكن أي اختلال في التوازن – كضربة إسرائيلية كبيرة أو هجوم إيراني نوعي – كفيل بإفشال كل شيء.
ختاماً: مسقط، مرة أخرىب
تعود عُمان للعب دور الوسيط العاقل. بلد صغير، لكنه يمتلك موهبة الإصغاء والاحتفاظ بالأسرار. وفي عالم غارق في الضجيج، تكون السرية أحياناً أثمن من الحقيقة.
إذا كُتب لهذه المحادثات النجاح، فلن يكون بفضل اتفاق، بل بفضل تفاهم: “دعونا نؤجل الكارثة، حتى إشعار آخر”
جولة 19 أبريل 2025 في مسقط تشكل نقطة تحول حاسمة في صراع مستمر منذ عقود بين إيران والولايات المتحدة.
هو ليس بموعدٍ لانفراج تاريخي، لكنه ربما يكون بداية لفترة من “إدارة الأزمة” بدل صُنع الحل. والمفارقة أن نجاح هذه المحادثات لا يقاس بالأوراق، بل بالهدوء الذي قد يسود المشهد بعدها.
هذه المحادثات قد تكون المفترق بين التهدئة التاريخية أو الانزلاق نحو تصعيد كارثي. في ظل الضغوط السياسية الهائلة في كلا البلدين، أي نجاح سيسجل انتصارًا دبلوماسيًا غير مسبوق، بينما الفشل سيغرق المنطقة في دوامة من الاضطرابات واللااستقرار. هذه الجولة هي اختبار الإرادات الكبرى، حيث يُكتب مستقبل الشرق الأوسط بيد قلة من الزعماء.