من الذاكرة : أزمة سياسية حادة تهز الأردن في خمسينات القرن الماضي.. سبع حكومات في أسبوع واحد!

خاص - شهد الأردن في ربيع عام 1957 أزمة سياسية حادة وغير مسبوقة، تجسدت في صراع محتدم بين القصر الملكي والحكومة، وصل إلى ذروته بتغيير سبع حكومات متعاقبة خلال أسبوع واحد فقط. هذه الفترة المضطربة كشفت عن عمق الخلافات السياسية وتأثيرها على استقرار البلاد.
بدأت الشرارة الأولى للأزمة في نيسان 1957، عندما أقدم الملك الحسين بن طلال على إقالة حكومة رئيس الوزراء سليمان النابلسي. وجاءت هذه الإقالة في ظل توترات متصاعدة بين القصر والحكومة حول قضايا داخلية وخارجية، أبرزها ملف العلاقات مع الدول العربية الأخرى والتوجهات السياسية العامة للمملكة.
عقب إقالة النابلسي، باشر القصر الملكي محاولات لتشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة الملك. وكُلف حسين الخالدي بتشكيل الحكومة، إلا أنه فشل في مهمته لعدم تمكنه من الحصول على تأييد الكتل البرلمانية اللازمة.
لم تتوقف محاولات القصر عند هذا الحد، إذ كُلف لاحقًا عبد الحليم النمر بتشكيل حكومة جديدة، لكنه هو الآخر أخفق في تجاوز العقبات السياسية وتشكيل حكومة قادرة على الاستمرار.
وفي محاولة أخرى لكسر الجمود السياسي، كُلف سعيد المفتي بتشكيل الحكومة، لكن مصيره لم يكن مختلفًا عن سابقيه، حيث واجه صعوبات مماثلة أدت إلى فشله في إتمام المهمة.
وفي محاولة للوصول إلى حل توافقي، اتفقت الأطراف الفاعلة، بما في ذلك الملك والأحزاب السياسية، على تكليف حسين الخالدي مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة. وبالفعل، تمكن الخالدي هذه المرة من تشكيل حكومة حظيت في البداية بتأييد نسبي.
إلا أن عمر حكومة الخالدي الثانية كان قصيرًا، حيث لم تلبث أن سحب النواب الثقة منها بعد فترة وجيزة، مما أعاد البلاد إلى نقطة الصفر في أزمة تشكيل الحكومة.
في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، قرر الملك الحسين تجاوز الآليات الدستورية المعتادة، وكلف إبراهيم هاشم بتشكيل حكومة جديدة دون الرجوع إلى البرلمان أو الحصول على ثقته المسبقة.
وما إن تسلمت حكومة إبراهيم هاشم زمام الأمور، حتى أعلنت عن فرض الأحكام العرفية في البلاد، وعينت حاكمًا عسكريًا عامًا، مما يشير إلى حالة الاحتقان السياسي والأمني التي كانت تمر بها المملكة.
ولتعزيز قبضتها على السلطة وإخماد أي معارضة محتملة، أقدمت حكومة إبراهيم هاشم على حل كافة الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات المهنية والعمالية. كما تم تجميد أعمال دورة مجلس النواب، مما شكل ضربة قوية للحياة الديمقراطية والبرلمانية في الأردن.
هذه الأحداث الدراماتيكية التي شهدها الأردن في عام 1957 تعكس صراعًا حادًا على السلطة وتحديد ملامح النظام السياسي في المملكة. وقد تركت هذه الفترة آثارًا عميقة على مسار التطور السياسي في الأردن لعقود لاحقة. ويظل المؤرخون والباحثون يدرسون هذه الحقبة الزمنية لفهم أبعادها وتداعياتها على حاضر ومستقبل البلاد.