+
أأ
-

جذور الحكم والسيادة في جنوب الأردن: إمارة بني عُقبة العمرو (300 عام من السيطرة)

{title}
بلكي الإخباري

 

إلى كل قارئ قد يساوره الظن بأن تاريخ الأردن الحديث ولد من فراغ، أو يعتقد أن هذه الأرض كانت مجرد صحراء خالية من الكيانات الحضارية والسياسية المستقرة، يقدم هذا المقال دليلاً دامغاً من دراسة أكاديمية أوروبية رصينة. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات المشككة في عمق الحضور البشري والتنظيمي في المنطقة، يبرز اسم الدكتورة الهولندية الشهيرة Dr. Eveline J. van der Steen لتقدم رؤية تاريخية مغايرة وموثقة. وقد جاء هذا التحليل بناءً على ما نقلته عن مخطوطة "بورشاورد" من جبل صهيون (المكتوبة حوالي 1230م)، في بحث تتحدث فيه عن أول نظام حكم قبلي مستقر في المنطقة.

إمارة بني عُقبة العمرو: أقدم نظام حكم قبلي عربي مستقر

تؤكد الدكتورة إيفلين ج. فان دير ستين (Eveline J. van der Steen) أن إمارة بني عُقبة العمرو لا تمثل مجرد قبيلة عابرة، بل هي أول نظام حكم قبلي عربي بالمنطقة حظي باستقرار سياسي وعسكري وقضائي لافت. وقد بسطت هذه الإمارة سلطتها الفعلية على مدى ما يقارب ثلاثة قرون متصلة، امتدت سيطرتها من أواخر العصر الأيوبي و العصر المملوكي وصولاً إلى أواخر العصر العثماني.

تعود أصول بني عُقبة إلى قبيلة جُذام القحطانية العريقة، وتُعد قبيلة العمرو (آلعمرو ) هي الوريث والامتداد الأساسي لهذا الإرث، والمصنفة ضمن ما يُعرف بـ "معاريف بني عُقبة".

مفتاح السيطرة: حماية طريق الحج والنزاع مع أمير مكة

لم يأتِ النفوذ الهائل لإمارة بني عُقبة من فراغ، بل اكتسبته من خلال السيطرة على أهم مفتاح استراتيجي في المنطقة: حماية طريق الحج الشامي. كانت مهمة "درك الحاج" تُسند رسمياً إليهم من قبل الدول المركزية (الأيوبيين والمماليك والعثمانيين لاحقاً)، ما منحهم اعترافاً سياسياً رسمياً وموارد مالية ضخمة مقابل هذه الخدمة الأمنية الحيوية.

وقد امتد نفوذ أمرائهم، مثل الأمير شطي بن عُبّية العُقبي والأمير ناصر الدين غنام بن جوذر، على مناطق شاسعة تشمل الكرك والشوبك مروراً بعقبة أيلة (العقبة) ووصولاً إلى شمال الحجاز وسيناء. وفي دلالة واضحة على قوة ونفوذ إمارتهم، يذكر التاريخ دخول أميرهم شطي بن عُبّية العُقبي في خلافات وصراعات عسكرية وسياسية عديدة مع الشريف أبو نمي (أمير مكة) على مناطق النفوذ والسيطرة على أجزاء من طريق الحج الحجازي، مما يؤكد تغلغل سلطتهم حتى عمق الجزيرة العربية.

عمق مؤسسي: القضاء العشائري المتين

لم يقتصر حكم بني عُقبة على القوة العسكرية فقط، بل أسسوا نظاماً قضائياً متيناً لا يزال جزءاً من التراث العشائري الأردني حتى اليوم. فقد اشتهروا بوجود "قضاة مناهي" يُحتكم إليهم في أعقد القضايا، ومن أبرزهم: القاضي ابن وادي (العُقبي) قاضي العرض والرقاب، والقاضي أبو دحيدح (العُقبي)، وكذلك قضاة "منقّع الدم" الذين كانت لهم سلطة إنهاء الثأر والخصومات القبلية الكبرى، مما يعكس وجود سلطة مركزية ذات تأثير تشريعي واجتماعي.

النهاية وتحول الإدارة

لكن هذه الإمارة الطويلة لم تدُم للأبد. فقد ضعفت في أواخر العصر العثماني، بعد أن انقلبت عليها عشائر كثيرة في المنطقة واستنجدت بقبائل أخرى لتقويض نفوذها. وكانت نهاية الإمارة تحولاً إدارياً، حيث طالبت العشائر المنتصرة الحكومة العثمانية بإقامة إدارة محلية رسمية لضمان الاستقرار.
أدت هذه التحولات والصراعات إلى تشتت عشائر العمرو، وانتشرت فروعهم اليوم في مناطق واسعة من بلاد الشام، فلهم وجود موثق في الخليل، وإربد، وعمان، والمفرق، بالإضافة إلى معقلهم التاريخي في الكرك وفي سيناء، ليختتم بذلك تاريخ إحدى أهم وأطول فترات الحكم القبلي في جنوب الأردن، وليؤكد أن هذه الديار كانت على الدوام مسرحاً لكيانات سياسية ذات سيادة وتاريخ عريق.

#المقال وصلني من صديقي الصحفي الليبي اسامة والمقيم في أمستردام

#رابط المقال :- 

https://www.karakresourcesproject.org/bedouin-tribes