م.فادي العمرو يكتب : عقل الدولة الأردنية.. أعمق وعيًا وأقل ضجيج من بعض النخب السياسية

كتب المهندس فادي العمرو - في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم، وبعد الكشف عن المخطط الإرهابي الخطير الذي كان يستهدف أمن واستقرار الأردن، وفي ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه المملكة، يبرز سؤال جوهري حول قدرة الدولة الأردنية على تجاوز هذه الصعاب والمحافظة على ثباتها واستقرارها. وبينما تتصدر المشهد أحيانًا أصوات نخب سياسية قد تعكس رؤى ضيقة أو آنية، يظل هناك إحساس عميق بأن "عقل الدولة الأردنية" أوسع إدراكا وأكثر وعيا بكثير من مجرد التفاعلات اللحظية لهذه النخب.
إن عقل الدولة هنا لا يشير إلى فرد أو تيار او حزب او محافظة ، بل هو نتاج تراكمي لتاريخ طويل من الخبرات والتجارب واستيعاب عميق لطبيعة المجتمع الأردني وخصوصيته ، وفهم دقيق لموقع الأردن الإقليمي والدولي.
إنه الذاكرة المؤسسية للدولة، التي تختزن دروس الماضي وتستشرف تحديات المستقبل بمنظور استراتيجي بعيد المدى.
فقد انشغلت النخب السياسية في جدالات آنية خلال اليومين الماضيين ، ولاحظنا تأثرهم بتقلبات الرأي العام، والسعي لتحقيق مكاسب فئوية ضيقة يعرفها الجميع . لكن عقل الدولة ينظر إلى الصورة الكبرى، يراعي التوازنات الدقيقة في المجتمع، ويضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار. إنه يدرك أن استقرار الأردن ليس مجرد هدف مرحلي، بل هو ضرورة وجودية في محيط مضطرب، وهو ما تجلى بوضوح في التعامل الحازم مع المخطط الإرهابي الأخير.
هذا الوعي العميق يتجلى في قدرة الدولة الأردنية على التعامل بحذر وروية مع الملفات الحساسة، سواء كانت داخلية أو خارجية.
إنه يظهر في تبني سياسات متوازنة تجمع بين الحفاظ على الثوابت والتكيف مع المتغيرات. إنه يكمن في بناء علاقات دولية متينة ومتنوعة، تحمي مصالح الأردن وتسهم في تعزيز دوره الإقليمي والدولي، وهو ما ساهم في كشف وإحباط المخطط الإرهابي بفاعلية.
لا يعني هذا التقليل من أهمية النخب السياسية ودورها في الحياة العامة. فالنقد البناء، وتقديم الرؤى المختلفة، والمشاركة الفاعلة في صنع القرار، كلها عناصر ضرورية لتطور المجتمع وتقدمه. لكن من الضروري التمييز بين الضجيج الإعلامي أو الخطابات الشعبوية وبين العمق الاستراتيجي الذي يوجه مسيرة الدولة، والذي أثبت جدارته في مواجهة التحديات الأمنية الأخيرة.
إن "عقل الدولة الأردنية" يمتلك بوصلة داخلية قوية، تستمد قوتها من الإرث التاريخي، والقيادة الحكيمة، والصلابة المؤسسية. قد لا يكون دائمًا حاضرًا في العناوين الرئيسية للأخبار، لكن تأثيره يظهر بوضوح في قدرة الأردن على تجاوز الأزمات والصمود في وجه التحديات، وكشف وإفشال المخططات التي تستهدف أمنه.
يمكن القول بأن الأردن محظوظ بوجود هذا "العقل الجمعي" للدولة، الذي يتجاوز الانفعالات اللحظية للنخب السياسية. إنه الضمانة الحقيقية لاستمرار مسيرة الأردن نحو مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا، مع الحفاظ على هويته وقيمه وثوابته الوطنية، وقدرته على إفشال أي محاولات لزعزعة استقراره. وعلى النخب السياسية أن تستمع بإنصات لهذا الصوت العميق، وأن تسعى لتكامل رؤاها مع حكمته، بما يخدم مصلحة الوطن العليا ويحصنه من كل خطر.



















