+
أأ
-

النوايسه يكتب: عن رمضان.. والسوق الغربي ولعبة الطاب وفرن أبو طليب

{title}
بلكي الإخباري كتب الدكتور زيد النوايسه على صفحته عبر الفيسبوك، عن ذكريات رمضان في بلدته في مزار الكرك قبل اربعة عقود. وتاليا نص ما اورده.

ــــــــــــــــــــ

عن الطفل الذي لا نريده ان يتركنا مهما كبرنا...
لأننا نكبر ولأن الأشياء لم تعد تترك أثر فينا ربما لأننا مقتنعين بأن كل شيء في حياتنا هذه الأيام مختلف وسريع وأستهلاكي وبلا مضمون...
أهرب الى الماضي ألى بواكير الذكريات وتشكل الصورة الانطباعية عن الحياة والناس والاشياء في مخيلتي...
ثمة صور كثيرة لا تفارقني عن تلك الأجواء الرمضانية في بلدتنا أو قريتنا الكبيرة نوع ما...
لكن اهم تلك الصور الموشومة والتي لا يفارقني طيفها وطيف شخوصها كلما جاء رمضان ورحل فثمة وجوه وشخصيات اعتبرها من ملامح رمضان الجميلة التي ستظل رأسخة في وجداني ما حييت...

الصورة الأولى: السوق الغربي القديم في المزار المركز التجاري الأهم في اللواء حيث الباعة المتجولين وبائعي الخضار والعنب والتين القادمين من قرية "العراق" غربي المزار والمشهور بالعنب والتين حيث يحضرونها باكراً في الايام العادية وعند العصر في ايام رمضان والتجمع غالباً عند دكان المرحوم سليمان بن زامل في طقوس تشبة طقوس البورصة فالكل يعرض ميزات عنبه وتينه المحمول في صناديق خشبية مستطيلة مغطاه بورق العنب؛ وما ان ينهي الباعة وغالبيتهم اطفال يهرعون الى اهم متجر في بلدتنا في ذاك الزمان "دكانة هاني" او كار فور المزار بلغة هذه الايام، يحملون معهم الراحة الحلقوم والحلوة والشاي الحل والقطايف التي يحضرها من الكرك.
الصورة الثانية: تجمع الناس وكبار السن بعد صلاة العصر في السوق حول مجموعة من الرجال وهم يمارسون اللعبة الشعبية الاشهر وهي "الطاب" اربع قطع خشبية صغيرة ومجموعة احجار ترتب بحيث يكون هناك فريقين متقابلين وسيد الموقف هو المرحوم فلاح بن سعيد والمرحوم الحاج عارف الطراونة والمرحوم عبد الله بن جريدة واصوات المؤيدين تتعالى وتختلط مع اصوات الباعة والتجار واصحاب الاغنام واللحامين والحصادين العائدين من بيادرهم؛ الوجوه التي لفحتها شمس تموز واب، انتظار الاطفال لفترة الغروب استعداداً لشراء زجاجة البيبسي"الحلم" حتى نقوم بفتحها بمسمار من ناحية الغطاء حتى نستمتع اكثر ونستفز الاخرين بطفولة لئيمة وبريئة...



الصورة الثالثة: هي فرن المرحوم اسماعيل أبوطليب؛ الفرن الوحيد في قريتنا وربما في اللواء، حيث يقوم الناس بالخبز فيه مقابل مبلغ شهري لا يتجاوز الدينار مع رغيف خبز يومي يستقطع من الخبز ويباع غالبا للوافدين وهم مجموعة من المدرسين القادمين من خارج الكرك، طبعا تستطيع من هذا الفرن ان تعرف افطار او حلويات معظم اهل المزار خاصة اذا كان الامر يتطلب ان يشوى في الفرن والاجرة عشرة قروش، ومازالت رائحة الخبز ومذاقه لا تغيب عني حتى اللحظة، ورحم الله ابوطليب الذي ظل مصراً على العودة الى بلدته في فلسطين أذنبه في الرمله حتى اخر لحظة، وظلت اغاني فيروز من الراديو القديم الذي غابت ملامحه من غبار الطحين تصدح حتى اخر ايامه رحمه الله...
الصورة الرابعة: عن صوت المزار الملائكي والذي لم أسمع ولا أظن اني سأسمع مثيلاً له" صوت مؤذن المزار المرحوم الحاج عيد بن فلاح القطاونة وهو يعلن ساعة الافطار حيث السكون والهدوء يغطي فضاءات المزار والاطفال على ابواب البيوت ينتظرون الايقاع الصوتي قبل ان يعلن بصوته الرخيم نداء "الله واكبر"، ولا أنسى صوت أمام المسجد المرحوم عوض الفقراني الذي يمتلك وجها سمحاً مبتسما مؤمنا وهو يقيم صلاة التراويح....

الصورة الخامسة: صورة عمي ابوراتب رحمه الله وهو عائد من العقبة أو من رحلاته الخارجية في نهاية كل اسبوع بسيارته وهو يحمل لنا ما يحمل من الاشياء التي نفتقدها في المزار، حتى صرنا انا وابناء عمومتي نضرب موعدا اسبوعيا ننتظر السيارة وهي قادمة من مدخل السوق الشمالي وهي تمر من امام المسجد بانتظار العم السمح والكريم الذي يحنو ويعطف علينا وعلى اطفال حارتنا وكان رحمه الله يشترك بهذه الصفة مع العم المؤمن الصابر ابوخالد رحمه الله...
اسماء كثيرة لن تغيب عن ذاكرتي؛ المرحومين، علي التيهي، خليل القطاونة، الحاج عقل، سليمان وسليم الحلحولي، نمر ابونواس، فلاح ومحمد بن فارس، ابوخلف البهاليل، شاهر وسالم وياسين بن احمود، ابوياسين احمد بن سليمان، شاعر المزار سالم بن سعيد، سليمان بن محمد القطاونة، سالم وسليمان بن زامل، محمد وحامد بن حماد الطراونة، سعيد المصري،ابوفارس مصلح الاحذية الرجل الطريف، حسن دبوس وابوعزات ، عبد الكريم عبد المنعم وحسن بن درويش،عمي حمود ووالدي ابويوسف، عطالله الجعافرة واحمد الصرايرة، الحاج عطالله ابن عبدلله وشقيقه الحاج مدلله جابي البلدية الأشهر، الحاج عبد الرحيم بن حامد ومحمد بن عبد العزيز، رجا المحاميد والحاج عبد الرحمن القطاونة، ابوعبد السلام محمد بن عقلة، عن عبدالحميد الطراونة بائع الغاز الوحيد الرجل النبيل الذي لم يرفع صوته إلا مرحبا عن ابوعبد السلام صالح بن سليمان وعن الحاج علوي ، المرحوم ابو محمد مبرك بن فالح الرجل الشهم وهو يجلس امام دكان أحمد بن سليمان ، ابوزياد عوض عبد وهو يصف للناس الادوبة ،عن بريد المزار وموظفيه الذين كانوا يمثلون أعلى سلطة في المزار وعارفي ادق التفاصيل الهاتفية حتى الطبخة ومن انعزم عليها، عن كثر من الذين رحلوا ومن اللذين ما زالوا احياءً يرزقون عند ربهم لا تسعفني الذاكرة المهترئة على سرد اسماؤهم...

ثمة صور كثيرة تختزنها الذاكرة التي ثقبتها السنين، اعرف انها ربما لا تعني شيئا للكثيرين ولكنها محاولة مني للهروب الى الوراء علها تعطي النفس مسحة سكينة وحنين للماضي الذي رحل ولن يعود وربما لاننا نبحث دائما عن الطفل فينا ولا نريد ابدا ابدا ان يكبر...
هذا العام يأتي رمضان دون وجه أمي ودون صوتها ودون أن أنتظر نهاية الأسبوع حتى أكون الى مائدتها في المزار... رحم الله والدتي ووالدي وكل الراحلين من اهلي واصدقائي وأسكنهم فسيح جناته...
رمضان مبارك لكم جميعا...
وسلامتكم.