الاستاذ فيصل تايه يكتب : معايير انتقاء مدراء المدارس وأثره في الادارة المدرسية الفعالة

ما اثار فضولي للكتابة عن هذا الموضوع هي رغبتي في نقل خبرتي المتواضعة خلال سني عملي في القطاع التربوي وادارتي للعديد من المدارس الأساسية والثانوية الأردنية "كمدير مدرسة" ، اضافة لعملي مدرباً للعديد من برامج التنمية المهنية المتعلقة بالإدارة المدرسية والقيادة التعليمية ، وحضوري للعديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل المتعلقة ، اضافة لاطلاعي على العديد من تجارب بعض الدول العربية في هذا المجال ، ولحسن الطالع ، تجربتي التدريبية الخاصة عند زيارتي لبعض الدول الاوروبية من خلال الدورات التي اكتسبيها هناك واطلاعي على التجربة الالمانية والنمساوية والفنلندية الرائدة والمتعلقة بالقيادة التربوية المدرسية والتي اضافت لي قدراً كبيراً من الخبرة والتعلم والتدريب ، والتي ساعدتني على تطوير ذاتي وضمان مستقبل أفضل لعملي ، حيث تولدت لدي قناعة تامة ان خبرات الأمس لا تفيد في مجالات اليوم ، وحتى اكون قادراً على مواجهة التطور السريع ، كان لزاماً عليّ أن اطور نفسي ومهاراتي ، واجدد من خبراتي , لأن العالم الآن لا يعترف إلا بالقدرات المتميزة والكفاءات العالية , فكانت مجموعة الدورات التدريبية التي اكتسبتها من أهم سبل التطوير والتعليم الذاتي التي وفرت لي العديد من الخدمات والمهارات والأساليب الحديثة في العمل القيادي والتطوير الذاتي ، فكان أثرها واضحا في مختلف اماكن عملي التربوي . اننا نعي تماماً وضمن مجمل الظروف والتحديات التي تعيشها منظومتنا التعليمية ومدارسنا في ضوء المتغيرات المستمرة والاتجاهات الحديثة في العملية التعليمية الدور الذي يجب أن يكون عليه مدير المدرسة من كفاءة إدارية وعلمية ومقومات للشخصية ، فمدير المدرسة بوصفه الركيزة الأساسية ومحور العملية الإدارية والتعليمية والعنصر الفاعل الذي يتوقف عليه نجاح العمل الإداري والتعليمي بالمدرسة ، فقد ازدادت اهمية شخصية "مدير المدرسة" باستمرار بزيادة مجالات العمل المدرسي واتساعه وكثرة التحديات التي تواجهه ، حيث بات من الضروري أن يمتلك الكفايات النوعية التي تمكنه من القيام بمهامة العصرية ، فمكانة مدير المدرسة تحمله أدواراً كثيرة عليه أداؤها وكذلك بواجبات كثيرة عليه تنفيذها ، واننا وحين ندرس واقع مدارسنا في السنوات الأخيرة نجد أن دور مدير المدرسة قد تعقد كثيرًا ، فقد اصبح يحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا ﺑﺎلنسبة لكل ما يجري في مدرسته ، لكن الواقع يشير إلى أن نتائج ومخرجات النظام التعليمي لم يصل الى المستوى المأمول ، ما يشير إلى تراجع جودة التعليم العام فيه ، وأن إصلاح نظام التعليم المدرسي، وإحداث نقلة نوعية في العملية التعليمية ، يستدعي إصلاح النظام التربوي وتحسين نوعية أداء العاملين في هذا النظام ، وفي مقدمتهم مدراء المدارس ، وذلك من خلال تبني أساليب إدارية حديثة تتطلبها الضرورات الحتمية . وفق لما تقدم وإيمانًا بأهمية دور مديري المدارس في ادارة مدرسة القرن الحادي والعشرين ، فذلك يتطلب من مدير المدرسة جهدا إضافيا من أجل أن يوجه ويدير مدرسته بطريقة عصرية حضارية ديموقراطية متوازنة ومدركة لحجم التحديات التي تواجهه ، ويكون ذلك من خلال التخطيط الدقيق للأهداف التربوية التي تسعى المنظومة التعليمية لتحقيقها ، لذلك فمن المهم وضع متطلبات وأساليب حديثة فعالة لمعايير انتقاء " مدير المدرسة" وفقًا لمعايير إدارة الجودة ، حيث لا بد أن يتم انتقاؤه في ضوء مجموعة من المعايير حتى يستطيع القيام بعمله بشكل علمي ومهني ، لان هذه المرحلة من عمر منظومتنا التعليمية تحتاج التركيز على عمل القيادة المدرسية ، وحسب اعتقادي ان من اهم معايير انتقاء مدراء المدارس هي شخصية المدير التي تلعب دورا هاما في سير العملية التربوية والتعليمية في مدرسته بصفته الصانع الأول للقرار ، وهو القائد التربوي الذي يؤثر في كافة العاملين ، ويمكن له ان يلهب فيهم المشاركة الكفؤة والفاعلة وتحمل المسؤولية من أجل تحقيق الأهداف التربوية المنشودة ، وهو الركن الأساسي الذي يقوم عليه كيان المدرسة والدينامو المحرك لطاقاتها وإمكانياتها البشرية والمادية ، وهو الموجه والمنسق لهذه الطاقات والإمكانيات ويجني معها النجاحات المأمولة لتحقيق الغايات التربوية التي تسعى المدرسة إلى تحقيقها ، ويسهم في نفس الوقت في حركة بناء المجتمع وتطويره .
انا اعتقد أن عملية اختيار مديري المدارس ليست عملية سهلة لأن القيادة تتضمن العديد من الخصائص المهنية والشخصية التي يجب أن تتوفر في مدير المدرسة ، ولكي يقوم المدير بمهمته الإدارية والقيادية بنجاح وفاعلية لابد إن تتوافر فيه مجموعة من الصفات العقلية والنفسية والروحية والخلقية والبدنية التي تضمن له النجاح في عمله والتأثير فيمن حوله لصالح الإدارة التي يديرها ، حيث يجب ان لا تخضع عمليه اختيار مديري المدارس بناء على على أسس واعتبارات شخصية وغير موضوعية وبدون تخطيط سليم مبنى على الطبيعة الفنية للوظائف الشاغرة وعلى الحاجة الفعلية للأداء الإداري، حيث لا بد من وجود قواعد تنظيمية لترشيح مديري المدارس وكذلك معايير الاختيار والتي يجب أن تستند على دراسة علمية وموضوعية ، وإعادة النظر في أهداف البرامج التدريبية بحيث تهدف إلى اكساب المدير العديد من الكفايات المهنية والشخصية لمواكبة التحديات والمتغيرات العالمية ، اضافة الى ضرورة الخروج عن الأساليب التدريبية التقليدية الخاصة بمدراء المدارس ، كالمحاضرات النظرية دون استخدام وسائل حديثة ، كما أن تنقيذ هذه الدورات التدريبية لمديري المدارس لم يخلو من المشكلات التي تعترض طريق التدريب والمتدربين، كما أن معايير الاختيار وبرامج التدريب الحالية تحتاج إلي مراجعة دقيقة ووضع استراتيجية ومنظومة طويلة المدى لإعداد مديري المدارس تستجيب لاحتياجات الواقع الفعلي وتتواكب مع التغييرات العالمية المعاصرة .
انني اعلم الدور الذي تقوم به وزارة التربية والتعليم في هذه الآونة وسياسة الوزير التطويرية في هذا الاتجاه ، والتي تعكس الدور المتنامي الذي يجب ان تكون عليه القيادة التعليمية ، فما يدور في عقلية صانع القرار يحتوي على الأفكار والتوجهات الحكومية الحالية في هذا المجال والتي تؤكد على ضرورة وجود معايير واقعية لاختيار القيادات المدرسية الميدانية ، والتي لابد ان تركز من خلالها على دور مديري المدارس في دعم عملية تطوير السياسة الحكومية وتطبيقها تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية ، وصولاً رفع مستوى التحصيل في المدارس والحفاظ عليه من أجل تلبية احتياجات الطلبة ، فالمدرسة هي المنفذة لسياسات الوزارة ، فلا ُ يمكن أن ننجح بأي استراتيجية أو خطة نضعها ، الا اذا خرجت من رحم مدارسنا وما يتوفر فيها من كوادر ميدانية ، فالمدرسة هي كانت وما زالت حاضنة العمل ، وستجد بها العديد من الفاعلين التربويين من أصاحب الرؤية والقيادة الفاعلة المؤثرة ، لذلك فمن الضرورة بمكان اعتماد نظام وأسس يتم صياغتها بعناية لاختيار مدير المدرسة تتمثل في أن تتمحور حول التعلم ، وأن يتركز على القيادة ، وأن يعكس أعلى معايير مهنية ممكنة ، فهذه المبادئ تكمن وراء الغاية الأساسية للقيادة المدرسية ومجالاتها الرئيسة .
وأخيرا ومن وجهة نظري كتربوي وكي ننجح في خطواتنا لاختيار مدراء المدارس ، هذا يتطلب استنبات قيادات ميدانية ، والتنقيب الجيد عن الاشخاص الذين يتصفون بصفات قيادية ودراسة واقعهم العملي وتمريرهم بمرحلة التجريب ليكونوا تحت المراقبة والملاحظة ، من خلال الممارسات اليومية والمواقف المختلفة عبر اختبار القدرات الإنسانية والذهنية والفنية لديهم وصولاً لمرحلة التقييم ليتم فيها تقييمهم بناء على معايير محددة سابقًا ، حيث يتم فيها تشخص جوانب القصور والتميز والتفاوت في القدرات ، ومن ثم الدخول في مرحلة التأهيل ليتضح مما سبق جوانب القصور والضعف في الشخصيات ، حسبما تقتضيه الحاجة لعملية التدريب والتأهيل وبناء عليه تحدد الاحتياجات التدريبية ، ويختار لهذه البرامج المدربون ذوو الخبرة والتجربة والإبداع لتأهيل الاشخاص المنتقين لمرحلة التكليف ، وليتم اختيار مجموعة منهم في مواقع قيادية متفاوتة المستوي والأهمية لفترات معينة لنضع الجميع علي محك التجربة وصولا لمرحلة التمكين ، بعد أن ﺗﺄخذ هذه العناصر فرصتها من حيث الممارسة والتجربة وتتضح المعالم الأساسية للشخصية القيادية لكل واحد منهم ، ثم تفوض لهم المهام حسب قابليتهم لها ومناسبتها لهم.
والله الموفق
مع تحياتي



















