المحامي مأمون المخامرة يكتب : هل تخلت الدولة عن مسؤولياتها المجتمعية ؟

إن من أهم واجبات الدولة الحفاظ على حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسن القوانين وتطبيقها بشكلٍ ينسجم مع أحكام المادة السادسة من الدستور الأردني والتي تكفل لجميع المواطنين المساواة التامة في الحقوق والواجبات، وعليها عند إجراء أي تعديل على نص قانوني ان تتحقق من عدم المساس بحقوقهم المدنية.
ان المشرع الأردني بصدد إجراء تعديلات على قانون التنفيذ من شأنها أن تعقد عمل القضاء وغل يد السلطة التنفيذية عن تطبيق القانون بشكل يحقق العدالة المجتمعية حيث تضمنت التعديلات انه "لا يجوز حبس المدين الا اذا زاد الدين عن خمسة الاف دينار ، اضافة الى تعديلات ستطال قانون العقوبات حيث سيتم رفع الحماية الجزائية عن الشيكات.
صحيح أن لكل تعديل قانوني آثارا سلبية وإيجابية ولا بد هنا من أن نتمعن قبل إجراءه في الآثار السلبية لهذا التعديل على القطاعات التجارية، والصناعية والأعمال والمشاريع الصغيرة ومالكي العقارات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر
فأن نسبة لا بأس بها من الأردنيين تعتمد على دخل إضافي من خلال تأجير شقة أو مخزن وإذا نظرنا إلى المعدل العام للأجور خاصة في المحافظات خارج عمان فهي تتراوح ما بين ٢٠٠٠ل٥٠٠٠دينار سنوي. كيف اذا للمؤجر أن يضمن استيفاء الأجور وهو يعلم أن الحماية الوحيدة له هي في حبس المدين او ما يملك المدين من عقارات (وهذا ما ندر وجوده) . فهل يكتفي بأثاث المنزل والذي لا يساوي قيمة أجرة شهر أم يمتنع عن التأجير. بالتأكيد سيمتنع المالك عن تأجير عقاره لعلة عدم وجود ضمانة لتسديد الأجور الأمر الذي سيؤدي الى تعثر الطبقة الفقيرة والتي تشكل أكثر من ٧٥ ٪من نسبة المواطنين وبالتالي إين هي الحماية القانونية التي سيوفرها المشرع للمالك الذي سيعرض عن تأجير المستأجر لأنه يعلم بأن التعديل القانوني سيؤدي إلى ضياع حقه وفقدان الحماية القانونية لأن القضاء الأردني لن يسمح بإجراء قانوني فعال لمن يقل دينه عن ٥٠٠٠ دينار مما يؤدي الى الحاق الضرر بالمالك وبالمستأجر البسيط الذي لا يستطيع دفع الاجور الا بعد استلام الراتب بصورة شهرية
ان هذه التعديلات ستخلق حالة من الذعر لدى أصحاب المشاريع والصناعات الصغيرة، وستجعل كل مواطن يتطلع لاستثمار أمواله في أي مشروع داخل البلاد ان يعيد النظر في هذا الأمر.
فهل يعقل ان يحبس المدين اذا كان دينه ٥٠٥٠دينار ولا يحبس مدين اخر دينه اقل من ٥٠٠٠دينار
فأين المساواة بالحقوق والواجبات
اما فيما يتعلق بالشيكات فهل الحل برفع العقوبات الجزائية عنها
والسؤال هنا (وإن كانت أغلب الشيكات موضوعه على سبيل التأمينات او الدفع الأجل) فهل تمت المقارنة بعدد الشيكات المرتجعة عن الفترة ما قبل العام ٢٠٠١ عندما كان اي شخص يحرر شيك لا يقابله رصيد كان يتم توقيفه ولا يفرج عنه الا بعد دفع قيمة الشيك و/او تقديم كفالة مالية بقيمته) ، وبين ( الفترة اللاحقة ما بعد عام ٢٠٠٢ بعد ان اصبحت قضية الشيك تمتد لأربع او خمس سنوات حتى يتم تحصيل قيمة الشيك ويتم ذلك بعد صدور حكم جزائي قطعي) بالحبس ٠
فبالتأكيد الفارق كبير بسبب عدم التشديد بالاجراءات
ومع التعديلات الجديدة فإن سيناريو الإفلات من العقاب والذي سيبدع فيه (الشكيكة) أي محرري الشيكات والكمبيالات بما لهم من خبرة في الالتفاف على نصوص القانون، سيمنحهم فرصة ذهبية للافلات من العقاب ان حرروا شيكات ليس لها مقابل أو سندات مالية تقل قيمتها عن (٥٠٠٠) دينار.
ان الدول التي لا تقبل بحبس المدين توفر لذوي الدخل المتدني دعمًا ماليا ولديها استراتيجية واضحة تجاه استقرار الاقتصاد وان كانت الحكومة الاردنية تحرص على تجميل صورتها امام المنظمات الدولية وتحاول أن تنصاع الى توصيات " عدم حبس المدين " فان هذا الامر لا يجوز ان يكون على حساب المواطن بل عليها ان تنهض بمهامها تجاه المواطنين المتعثرين بدلا من التقليد الأعمى للدول الكبرى باجراء تعديلات لا تنسجم مع واقعنا المعيشي المحزن! هل كان هناك اي تقديرات ماذا سيصبح حال اكثر التجار و الغالبية العظمى من المواطنين الذين يقوموا بتسديد ثمن البضائع وأقساط المدارس والجامعات والمستشفيات بموجب شيكات مؤجله! بعد ان تمتنع اي جهة من قبول تلك الشيكات لعدم توافر الحماية الجزائية لها؟
لذا يجب على الدولة ان تعمل على توفير بيئة استثمارية واستقرار تجاري واقتصادي وتشديد العقوبة على كل من تسول له نفسه اصدار شيك لا يقابله رصيد او تحرير سند مالي مهما كانت قيمته لأنه يعبث بأمن المجتمع وأمن المواطن الاقتصادي وأن تقوم عند احتساب عدد المطلوبين وعدد الشيكات المرتجعه ان تاخذ بعين الاعتبار الشركات الكبرى والمحلات التجارية التي تعثرت وافلست نتيجة تلك الاعمال
فليس من المنطق والحكمة ان تضحي الحكومة باستقرار البلاد لتتمكن من تقليص النفقات التي تخصصها للسجون !
المحامي مأمون مخامرة



















