د. "أحمد محمود نويران" صالح القلاب.. ستة عقود من النضال والسياسة

كانت اللقاءات التي جمعتنا مع الأستاذ صالح القلاب قليلة، وهي عادة جيلنا الذي لم يستفد من تجارب رجالات الأردن كما يجب خلال حياتهم، حتى إننا لا نسمع عنهم وعن إرثهم إلا بعد رحيلهم عن الدنيا بسنوات.
حديثنا عن صالح القلاب هو حديث عن حقبة زمنية مهمة من عمر الوطن، فهو المناضل الذي آمن بالعمل الحزبي والسياسي وحتمية النضال الثوري لتحقيق هدف الأمة في تحرير العقل من التبعية وتحرير الانسان والأرض من نير الاحتلال الغاشم الذي لا يزال يجثم على صدر الأمة في أعز أرضها.
عاش في فترة كان المد الفكري المتدفق على بلدنا حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي أقوى من أن يجابه بفكر متواضع أو خوف، فقد كان أحد أولئك الذين دفعوا ثمناً غالياً لمواقفهم ومغادرة الوطن نحو ساحات النضال في سبيل التحرير والنصر.
غادر بلده كما فعل المئات وخرج يبحث عن فرص للنضال الثوري وتطبيق إيمانه بالتحرير بالفعل لا بالقول، وهذا كلفه كما كلف غيره في تلك الحقبة عقودا من الترحال والنضال والمصير المجهول؛ في ظل ظروف قاسية تكالبت على فلسطين والعرب أدت إلى تدهور أوضاعهم، حتى باتت الأرضُ حبيسة نير الاحتلال وفقد الملايين أحباءهم وبيوتهم وأعمالهم، وضاعت فرص الحياة والنمو والعيش الكريم.
تنقل مع أصحاب القضية من منفى إلى آخر كان خلالها موضوعياً وصادقاً في عمله، ولم ينس الدراسة، فقد نال الدرجة الجامعية ودخل معترك العمل الصحفي وطاف الكثير من البلدان إلى أن استقر في لندن بضع سنين قبل أن يركن البندقية ويستل القلم ويحزم متاعه البسيط ويطير عائداً إلى وطنه الذي أحب بعد ثلاثة عقود من النضال الثوري، ليشرع في نضاله السياسي الذي كان عنوانه السلام!
لقد قالها لنا عام 1997 في جامعة اليرموك جواباً عن سؤال من أحد الطلبة ما هي أسلحة المستقبل لتصحيح وضع الأمة؟ فكان جوابه: السلام. وذلك لم يكن خياراً بل أمراً حتمياً بسبب التطورات السياسية التي فرضت واقعاً صعباً على العرب تمثل بتفرد أميركا بالقرار العالمي وما رافقه من سياسات كانت تصب في خانة دعم الكيان الصهيوني.
لقد آمن بأهمية العمل السياسي ومسايرة التيار بدلاً من مواجهة جديدة خاسرة في الغالب، من هنا فقد ترشح لانتخابات مجلس النواب عام 1989، ثم بدأ بالكتابة في الصحف الأردنية، كاتباً ومحللاً سياسياً معتمداً على خبرة ومهارة اكتسبها من مشاركةِ بالنضال المسلح وعمله عن قرب مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية وتنقله معها وما رأفق ذلك من عمل سياسي وصحفي وبحثي في أكثر من دار للصحافة والنشر وعلى رأسها صحيفة الشرق الأوسط، ثم دخوله الحكومة الأردنية وزيراً للاعلام وعضواً في مجلس الأعيان، كما شارك في تأسيس عدة فضائيات إخبارية.
يعتبر صالح القلاب قامة وطنية وثورية ونضالية وشاهد عيان على مرحلة مفصلية من حياة الشرق الأوسط عامة وحياة الأردن وفلسطين خاصة، ويقع علينا واجب الاستفادة القصوى من خبرته وخبرة المئات من أبناء بلدنا لتحفيز الجيل الحالي للعمل وإعادة الثقة لهم بهذه الأمة وقدرتها على النهوض وإعادة رفعتها.
Yar19942013@gmail.com



















