+
أأ
-

طبريا

{title}
بلكي الإخباري الكاتب الصحفي :- خالد عيسى  السويد

تصعدُ إلى الناصرة لتهبط منها إلى طبريا ، وفي الصعود والهبوط ، يحاول خيالك العاجز اقتفاء أثار معجزتين لمسيحك الفلسطيني ، واحدة في جبل القفزة أعلى الناصرة ، وواحدة على سكون البحيرة الأزرق يمشي عليه السيد المسيح في منخفض طبريا ، وحين يمدّ لك الجليل كفه الأخضر يأخذك من أعلى الناصرة إلى غور طبريا ، وأنت تطيح بنظرية " العين لا تعلو على الحاجب " بين الناصرة وطبريا !

ويرتاح فضولك في منتصف الطريق ، بين الناصرة وطبريا على أنقاض قريتك "السجرة " ، تطل على حنينك من فوق هضبة تتنفس مرج ابن عامر في حضن الناصرة ، وتمسح رطوبة حيرة بحيرة طبريا في حضن غيابك !
على جثة الجامع الكبير .. ثمة مقهى يتفرج على ظاهر العمر الزيداني بين بقايا ثلاث جوامع ، الجامع الفوقاني في الحي الشمالي من ما كان لنا من مدينة ، وجامع الجسر في غرب البحيرة ، تحاول حجارتها السود رواية تاريخ المدينة ،وأنا أنقّب في ما تبقى من حجارتها البازلت السوداء عن بيت جدّي ، الذي تزوج ستي "هدية الطبري " ومات بين كفر كنا والناصرة بعيدا عن طبريا !
في المقهى الإسرائيلي على جثة الجامع ، بين سواد القهوة وسواد الحجارة ، يحاول " مشحّر " فلسطيني مثلي ان يحل اللغز بين حجارة حمص السورية السود وحجارة طبريا الفلسطينية ، وأنا ابحث عن دموع المرحومة أمي التي هُجرت من بيت عرسها في طبريا إالى مخيم اللاجئين في حمص ، عرفت الأن يا أمي سر دموعك ، وهي تنساب كلما رأت حجارة حمص السوداء ، للغربة قلب من حجر أسود يا أمي !
تعال لأغسل حنينك في حمامات طبريا لعلك تشفى من روماتيزم الغياب ..
وأخذتني الى الحمامات الدافئة ، لكي أداوي في مياهها المعدنية صدأ في التاريخ يعيد المدنية الى عصرها الكنعاني الأول !
هيا انهض من رائحة الكبريت من حمامات طبريا ، لأشعل نار أشواقك تطلقها ألعابا نارية حول حيرتك على ضفاف البحيرة ..
ثمة سمكة من " بلطي الجليل " او من " الشبوط " تنتظر شهوات غيابك في مطعم يغطس نصفه في البحيرة !
أنت الآن في حضرة البحيرة ، دع خيالك يمشي على سطحها الأزرق ، ويبحث عن ما علق من نظرات جدّك وحنين أمك ، وحكايات والدك عن سمك في البال بطعم الزبدة لم يجد له مذاقا إلا في طبريا !
حدّق في جبل الشيخ الذي يذوب وقاره ليتصبب حنينا في حضن البحيرة ، وبين الجليل والجولان اقرأ الفاتحة على من مات من أهلك خلف الهضبة وأمامها بين المخيم والوطن ، وقل لنصفك الذي يأخذ نصفك الى طبريا : شكرا !
وابحث عن الإنصاف في هذا العالم ، الذي يستجم على بقاياك في طبريا ، ويفيض من قلبك إلى نهر الأردن الذي ينسل من جنوب البحيرة ويموت في البحر الميت !
لا تبحث في سكون البحيرة عن علامات قيام الساعة ، اذا جف الماء فيها ، ولا تلتفت الى قوم ياجوج وماجوج الذين يشربون ماء بحيرتك ، ولا تشغل حيرتك بعلامات ظهور الدجال ، وثق بثمر نخل بيسان ، وبمحطة قطار قديمة في "سمخ " بين درعا وحيفا ، ستعد يوما حقائب عودتك !
قل لنصفك : شكرا لهذه " الطبريا " واصعد منها الى الناصرة ، واطلق قلبك عصفورا مع عصافير الجليل !