+
أأ
-

احلام مسروقة

{title}
بلكي الإخباري

بقلم :- الدكتور مصطفى المعايطة .


أذكر يا حبيبتي أننا في اليوم اليوم الاول من زفافنا قد قدمت لك باقة ورد ، وكذلك أيضا أذكر بأننا أقسمنا على السراء والضراء

أذكر يا حبيبتي أننا وفي فترة الخطوبة تحدثنا بالكثير ، وكتبنا أحلامنا على ورقة في جدول زمني ، أذكر أننا أذا لم تسنح لنا الفرصة في باريس كشهر عسل ، فسيكون في تركيا ، لم أكن أعرف أن ضيق الحال سيضيق على أحلامنا أسبوعا في حر شمس العقبة بما تيسر من أرخص الشقق، بما تيسر من ارخص محلات الصيني في الاسواق الشعبية ، حالنا كحال كل أؤلائك النسوة من بلادي التي لا زالت مساحيق التجميل الحمراء والزرقاء تزين وجوههم ، وهم يتأبطون أذرعة أزواجهم ، الذين لم ينبت شعر ذقونهم بعد من آخر حلقة قد حلقوها قبل يومين ، بزيادة ثلاثة دنانير لحلاق القرية كنقوط حلقة العريس ، أوا تذكرين يا حبيبتي تلك العروس التي دخلت وزوجها محل الذهب ، لبيع أولى قطع ذهبها لإكمال اسبوع عسلهم بعدما نفذ منهم ما كان من مال ، أتذكرين ؟؟!!
لقد حزنا عليهما أيما حزن يا حبيبتي ، وتمنينا أن لا تنفذ نقودنا كمثلهم ونضطر لنفس الفعل .

واذكر يا حبيبتي أيضا ، كيف قمنا في فترة الخطوبة بإحضار قلم وورقة بيضاء ومسطرة وممحاة ، وبدأنا برسم هندسي لبيتنا الجميل على أعلى قمة تلة في قريتنا ، واذكر كيف غيرنا وبدلنا ومسحنا الكثير من التفاصيل ، حتى خرجنا في تحفة فنية قد يعتبرها العالم عجيبة من عجائب الدنيا لتكون الثامنة ، وكيف يمكن للفنانين تمني زيارة بيتنا للاطلاع على تلك التحفة الفنية.

أتذكرين كيف رتبنا المطبخ ، هنا الثلاجة وهناك الجلاية ، وهنا الغاز ، وهنا البينش الذي يقبع في أسفله حوض الاسماك العملاق.

وأذكر يا حبيبتي كيف شرعنا في إنشاء حديقتنا المنزلية المسبح هنا ، وورد الجوري هناك ، والمدخل مزينن بياسمينة دمشقية بيضاء ، وطاولة القهوة والاسترخاء في تلك الزاوية ، يفوح عليها عبق نبتة الكالونيا في المساء .

أتذكرين يا حبيبتي كيف رتبنا غرفة إبننا بشار ووشحناها باللون الازرق ، وهنا وضعنا مرمى كرته للقدم ، وهناك في الزاوية الاخرى شاشة البلي ستيشن ، أتذكرين تلك الطاولة التي تعبنا في جمع قطع الألعاب مثل سماعة طبيب ومفك ومفتاح مهندس الميكانيك ، وتيستر وقطاعة مهندس الكهرباء ، وبعض العاب الادوية للصيدلي في رفوفها ، لنترك الخيار له في اختيار ماذا سيكون

واخته التي تحاشينا ان يكون من بين ألعبها لعبة المطبخ حتى لا يترسخ في ذهنها أنها إمرأة مطبخ ، زينا غرفتها في الزهر والاحمر والورود ، وجهاز الحاسوب ، ومريول الطبيبة باللون الخمري ، وجهاز مسح المساحة علها تختار بأن تكون مهندسة معمارية ، أتذكرين ذلك يا حبيبتي ؟؟!!

أتذكرين كيف قسمنا عمل البيت بيننا والاعتناء بالاطفال ومن يحضر الغداء حسبما يعود أولا من عمله ، عملك الذي لم يكن بعد تعملين به وقد عولنا على راتبه الكثير ، تخيلي يا حبيبتي أن لا زلتي لا تعملين ، وأن شهادتك الجامعية لم تعد الأ ورقة يعلوها الغبار بين باقي الاوراق الثبوتية في صفط حلو التوفي الذي أحضره لنا زائر يبارك لنا في زواجنا بعدما عدنا من العقبة ؟؟

لم يكن كل ذلك كذبا يا حبيبتي ، بل أقسم بأني عشته معك لحظة بلحظة، رسمة رسمة ، ضحكة ضحكة ، وأقسم يا حبيبتي لو أن الحال يتسع لأمر واحد من كل هذا اليوم لفعلته ، لكن يبدو يا حبيبتي أننا كان يجب أن نقسم على الضراء وحسب ، فما كانت السراء الا أحلام ليس لمثلنا فيها من نصيب

أتعلمين يا حبيبتي أن كل تلك الفرحة في اليوم الذي انجبتي فيه بشار واخته كانت للحظة ، كانت لحظة أنانية أب أنه قد أصبح أبا ليناديه أصدقاؤه بأبي بشار ، لكن اللحظة سرعان ما تحولت الى نكد يتلوه نكد ، فغرفته التي رسمتها في مخيلتي لا وجود لها ، ومنذ تلك اللحظة بدأت أفكر كيف يمكن تأمين علبة الحليب وكيس الفوط ، مر مستقبله أمامي كشريط مصور ، الصف الاول ، وسهر التوجيهي معه ، ولست أدري لماذا أصر علية بالدراسة ، ففي هذه البلد يا حبيبتي يعاني الطبيب وعامل النظافة ، ومستقبله لن يكون بأفضل من مستقبلنا الذي نعيشه الان ، رغم أن حالنا كان أفضل ، بينما مستقبله قاتم مظلم ، وهذا ما تشير إليه حال البلد

أتعلمين أمرا ، إني أحمد الله أن الحكومة حتى هذه اللحظة بعدما فرغت من كل تجربة ضريبة يمكن أن تفرضها أن لا تتجه الى تسريح من هم على شاكلتنا من رعاع من العمل ، فلم يعد يا حبيبتي من مال يمكن أن يصرف على امثال لانا وزيد ، وأين نحن من لانا وزيد يا حبيبتي ؟؟

أجثو على ركبتي الآن يا حبيبتي أمامك في المطبخ ، أحمل باقة بقدونس أقدمها إليك ، تخيلي بأنها باقة ورد قد أحضرتها لك في عيد زواجنا ، الذي لم نحتفل به قبل اليوم أبدا منذ ذلك الزمن الطويل ، تخيليها أنها باقة ورد وخذيها ، ضميها إلى صدرك ، اشتميها وكأنها اللوتس ، فمثلنا يا حبيبتي لا يعرف اللوتس، لكن يمكننا أن نتخيله ، أحضري شمعة ورغيف خبز ، وتعالي إنضمى إلي حول طاولة السامبا البلاستيكية هذه ، اه كم أنا غبي يا حبيبتي ، تخيلى أني لأول مرة انتبه لهذا الغطاء البلاستيكي الجميل الذي تغطين به الطالولة ، رقيق برقة يديك الخشنتين التين أضناهما ماء الجلي البارد ، تحملي يا حبيبي فالفرج قريب ، وقريب جدا سأحضر سخان الماء الذي وعدتك فيه منذ زمن
تعالي يا حبيبتي نستغل هذه اللحظة بعدم وجود الاطفال ، تعالي واحتفلي معي بدقائق ، ولندخل الغرفة لدقائق قبل أن يأتي الاطفال من المدرسة، فهذه اللحظة يا حبيبتي لا تعوض ، لحظة نبحث عنها منذ زمن لم نلتقي فيها وحدنا ، اه كم أشتاق لشم رائحة العرق عن عنقك ، اشتم رائحة شعرك ، وأقبل ما تيسر لي تقبيله منك قبل أن يأتي الاطفال ، وإن اتسع لنا الوقت أن نكمل ، فسأكون كمن تبوأ مكانه في الجنة، تعالي قبل أن يأتوا، لتكملي ما في يديك من تحضير للطعام ، وفرم ضمة البقدونس التي طلبيتيها ، أفرميها وكأنها اللوتس الذي لا نعرفه يا حبيبتي ، فأمثالنا يا حبيبتي لا يعرفون اللوتس .