+
أأ
-

جولان الواوي :انت تعيش بنعمة لكنها لا تقدرها !

{title}
بلكي الإخباري

لا أحد يعرف قيمة النعمة حقاً حتى يفقدها..
لأكثر من عشر سنوات، وأنا أذهب إلى مكة في رمضان للعمرة، وغالباً ما كنت أذهب وأعود في نفس اليوم، أفطر على ماء زمزم، وأصلي التراويح خلف السديس ثمّ أكون في بيتي قبل آذان الفجر..





اليوم؛ أرى الجموع الغفيرة وهي تتحلق حول الكعبة، تتقلب في نعيم الصلاة والطواف والسعي، تتخفف من التكلّف في إعداد الموائد، وتفرح بكيس من التمر يوضع على المفارش البلاستيكية الطويلة، والتي يشاركه فيها أناس من كل الأجناس..أتذكر ملمس الأرضية البارد حول الكعبة، تزاحم الناس عند الحجر الأسود، موجات الناس التي تدعو الله عز وجل بصوت واحد، رذاذ الماء الذي يرشه بعض الحراس على الجموع بقصد تخفيف الحرارة، الخدر في المفاصل أثناء الصلاة خلف المقام الابراهيمي، صوت الخطوات المتسارعة في المسعى، التعب اللذيذ في آخر الأشواط، والجلوس في أي بقعة في انتظار صوت المؤذن..





كنت أستعجل الرجوع إلى أولادي كل مرة، أتركهم نائمين بعد السحور، وأعود لهم قبيل السحور في اليوم التالي، لكنني أفكر الآن، لم يكن ليضر أولادي بضعة أيام أقضيها هناك، كانوا يحبون تلك الاجازة من تعليماتي على كل الأحوال، ويفرحون في البقاء عند بعض الأصدقاء كنوع من التغيير، لم يكن ليضرهم لو أنني استكثرت من ذكرياتي في الحرم، لو أنني تشربت رائحة السجاد المعطر هناك، لو أنني تلمست خطوات النبي ﷺ أكثر، لو أنني غفوت بعد الصلاة في انتظار الصلاة، وصحوت وأنا لا أزال في الحرم..





تعجّلت في كل مرة كنت هناك، وحتى في الحج، كان حج متعجل، وقلبي معلق بأطفالي حيث تركتهم.
أنظر اليوم إلى الكعبة عبر التلفاز، إلى جموع المعتمرين، وأفكر في آخر زيارة لها، قبل أربع سنوات، قررت أن أصطحب الأولاد في تلك المرة، لكنني أيضاً لم أختلي بنفسي فيها كما رغبت، وعلى العكس، فقد كنت في قمة توتري مخافة أن يضيع مني أحدهم، أو يغيب عن عيني لحظة، كان رمضان أيضاً، لكنني لم أعتكف هناك كما كنت أحلم، لم أفطر مع الناس في انتظار التراويح، كنت أعود بأولادي إلى الفندق كي يحظوا بإفطار مناسب.





حين ألقيت التحية الأخيرة على الكعبة، دعوت( اللهم لا تجعل زيارتي هذه آخر العهد ببيتك)، وأدعو اليوم وقد استبدّ بي الحنين، وأشتعل القلب شوقاً، زيارة أخرى يا الله، امنح فؤادي المعلّق بأستارها زيارة قريبة تُشفي جروح استعصت على الشفاء، وترتق روحاً نخرتها الدنيا وعاثت فيها صروف الزمان!!