ربا عياش تكتب : نسختي الأصغر تشع في الحياة .

حين تلمح نسختك الأصغر..تجد روحا مشعة بالحياة.. جريئة.. تعبر عن نفسها بشكل صاخب أكثر.. ممتلئة بالطموح..
يشعر الإنسان في عمر أصغر أن العالم من مشرقه لمغربه ملكه، وأن كل شيء ممكن ويسير..
الإيمان باللاموجود.. الإيمان الأعمى بكافة الاحتمالات
في عمر أصغر.. تعرف الروح كيف شق طريقها بعيدا عن أي أزمة..
يضرب الإنسان بكل شيء عرض الحائط ويستمر بالركض نحو سعادته، تألقه وأحلامه..
يكون روحا لا يعجبها شيئا.. غير راضية تماما عن نفسها أو واقعها.. لكن ذلك على الأقل كان محفزا نحو المزيد..نحو الأفضل..
يعني.. الروح في مرحلة ما تكون ما تزال في مرحلة الدهشة من كل شيء .. تكتشف.. تبحر في عوالم كثيرة.. في الماديات والروحانيات معا..
يكون المرء في حالة استنفار وثورة دائمة على كل شيء.. على المجتمع.. الأفكار.. الواقع.. المسلمات.. على ذاته وتفاصيله.. وفي حالة بعيدة كل البعد عن مزاج الاستقرار والسلام..
لكن مع الزمن.. حين تبدأ تتشكل معالم واقعك..حين تصل بشكل مرضي لوُجهتك.. وترسي بسفينتك في مينائك..
وتتجاوز مع العمر مرحلة الدهشة.. تبدأ بوضع النقاط على الحروف..
وتبدأ بوضع كل شيء في مكانه في واقعك..
لقد اتضحت معالم الرسمة.. والآن أنت في وسط عملية تلوين المعطيات من حولك.. إضفاء نكهة أجمل..
وعلى قدر جمال المرحلة.. والتغيير الذي يحدث بك دون وعي منك..
على قدر ما تصبح بعيدا أكثر عن نسختك الأصغر..
ولا يعود هناك طريق للعودة أبدا لما كنت عليه..
تخمد نيران الروح بداخلك قليلا.. إنه من الجيد واللاجيد في آن أن يحدث ذلك .. يصبح الإنسان بعيدا عن مقارنة ذاته مع الآخرين.. وأكثر سكونا.. أكثر لا مبالاة بما حوله.. وفي ذات الوقت أكثر حكمة..
لا يمكن أن أقول إنها حالة من اليأس.. ما زال هناك توقا للأفضل بالطبع.. لكن بروية.. بخطوات هادئة راضية أكثر.. ما عاد هناك أي مبرر للثورة.. لا مبرر للعجلة أكثر..
يفهم الإنسان أنه لن يغير العالم على أي حال..
يُدرك أيضا مدى قسوة النظام.. وعبثية الحروب والقلق غير المبرر في كل الأحوال.. فيختار الانعزال قليلا..
يختار أن يُمضي ما تبقى له من الحياة بسلام بعيدا عن أي شيء قادر على استنزافه.. بعيدا عن نزاعات قادرة على تدمير راحته وتوازنه..
يصبح الإنسان أقل جرأة وأكثر إتزانا وحكمة ممكن..
لعله.. يختار السلام على المعارك.. أو يختار التقاعد المبكر..
الاستقالة من الواقع..
في مرحلة ما.. في وقت ما.. دون أن يعي المرء.. بعد أن كان فخورا بحمله لقب "محارب" .. يُسقط كل الدروع.. ويرمي بكل الأسلحة بعيدا عنه.. ويترك أرض المعركة.. لا مباليا أبدا بكل المشهد .. يفكر أنه يريد مكانا آمنا..
يبدأ بالعودة لجذوره.. يعود لذاته.. لقلبه.. والكثير مما ثار عليه في صغره..يعود ليؤمن به لأول مرة..
وفجأة ما كان يرفضه بقوة عبر السنين.. أصبح طوق نجاته اليوم..
فضفضة



















