+
أأ
-

عاجل / مشاهدات أخرى في ضوء قانون الجرائم الإلكترونية.

{title}
بلكي الإخباري

المحلل السياسي : ضرار محمود البستنجي





مع نشره في عدد خاص من الجريدة الرسمية أمس الأحد يكون قانون الجرائم الإلكترونية رقم 17 للعام 2023 ،سيء الصيت، قد أنهى محطاته الدستورية وسيسري العمل به بعد ثلاثين يوماً .
القانون الذي سبب أزمةً حقيقية وشهد تجاذباً وجدلاً لم يقتصر الاعتراض عليه على فئة بعينها او على النخب فقط ، بل واجه اعتراضاً عاماً متعدد الأوجه ومن معظم شرائح المجتمع ، مايؤكد أن أسباب هذا الاعتراض تنطلق في الأساس من اختلال عميق سببه الرئيسي انعدام الثقة بالحكومات وبقراراتها وسياساتها قبل أن تنطلق من الجدل حول دستورية بعض موادالقانون و مراحل إقراره أو التضييق الكبير الذي يفرضه على حرية التعبير وعبر مواد ومفردات أو مصطلحات فضفاضة تمنح السلطة قدرة هائلة على تكييفها بحيث تشمل أي تعبير عن الرأي أو معارضة للسياسات أو القرارات الرسمية وتحت طائلة عقوبات مبالغ فيها بشكل غير مسبوق.
وفيما قد يستمر الجدل والتجاذب الذي واكب إقراره ، وإن ضمن محددات أكثر ضيقاً، لاسميا مع شيوع جو عام من كبت الحريات والتقييد على التعبير ، فالثابت أن الحكومة التي "سلقت" القانون على نار حامية و"دفعت" باتجاه تمريره على عجل ، (والتوصيف هنا لعضو مجلس الأعيان د. خالد كلالدة ) قد كررت مجدداً توتير الأجواء ونقل الأزمات من مستوىً إلى آخر بدل حلها ، وفي إطار الفشل المتراكم في اختبار الثقة الشعبية واختبار انسجام السلوك والأفعال مع الأقوال والشعارات بل ومع توجهات الملك وتوجيهاته التي صوَّبت نحو رؤية شاملة للإصلاح تشمل ساحاته السياسية والاقتصادية والإدارية.





أسباب رفض القانون وثغراته ومخاطره أشبعت بحثاً وإضاءةً، وان لم تجد آذاناً صاغية، لكن ثمة مشاهدات لم يسببها القانون بقدر ما كشف عنها لابد من الإضاءة على بعضها ، فالقانون مثلاً كشف ،أكثر مما سبّب، استمرار التباين أوالخلاف في بنى مراكز القوة أو التأثير ، وأثبت أن مساعي "استحداث" بنى اجتماعية - سياسية تكون مرتكزاً لاستتباب الواقع واستقرار الحكم، كما استبدال بنى اجتماعية كانت على الدوام مرتكزاً وركيزة بأخرى منتقاة على المقاس من داخلها يجري إلباسها لبوساً سياسياً /حزبياً قد باءت بالفشل ، كيف لا وقد بني كل هذا على غير أساس متين من المشروع الوطني والوعي والمعرفة والقدرة ، بحيث باتت الشعارات وخرائط الطريق نحو واقع سياسي اجتماعي متطور تسبح في فضاء بعيد تماماً عن أي تطبيق سليم يخدم ذات التوجه ويأخذه نحو شكله الوطني السليم ، مايعيد طرح سؤال جدلي عميق لطالما طرح حول وجود إرادة جادة للإصلاح وحول حقيقة ودوافع ومنابع الخطوات المطروحة لتحقيقه ، فضلاً عن الحق المشروع في الاتفاق او الاختلاف مع سلامة الآليات وجدوى الصيغ المطروحة ، والقانون أيضاً لم يخلق حالة انعدام الثقة الشعبية في الحكومات بل عزّزها الى الحد الذي بات المواطن يشعر ، إلى جانب غربته عن تلبية حاجاته وحقوقه، بغربة الحكومة عنه وعن واقعه وعن البلاد وما فيها ، والأخطر غربتها عن دورها ومسؤولياتها وعن امتلاك الولاية العامة، والقانون لم يوجد هوةً هائلةً في العلاقة بين النخب والشارع بل أكدها، في مشهد يثبت أن استهداف العمل الحزبي المعارض والتضييق على التعبير الشعبي يفضي إلى واقع معتل يصعب فهمه أو التنبؤ بأحواله وتستعصي ترجمته واقعاً سياسياً صحياً لابد منه في منعطف يتطلب ذلك طالما ثمة حديث سائد عن توجه نحو إصلاح سياسي عميق سينتهي بتشكيل حكومات برلمانية كما نصت التعديلات أخيراً .
القانون اذاً لم يهدم مابني ضمن محاولات حثيثة للتبديل بين الأدوات والتحالفات أو توزيع الأدوار ، لكنه أثبت فشل هذه المقاربة وهشاشة البناء وضيق أفق المشروع، وبالذات حين كشف حالة عدم الانسجام التي ظهرت جلياً بين تيارين في مجلس الملك مثلاً ، بل وفي أوساط اجتماعية وأكاديمية و(مدنية) محسوبة على الدولة أو بالحد الأدنى تعي شروط اللعبة وتعرف متى تأخذ ومتى تعطي ومتى تجيّر ماتملك باتجاه دعم الحكومة أو تنفيس احتقان هنا أو غضب هناك ، هذا الفشل الذي نعزوه إلى عقلية حكومية قاصرة هو ذاته الذي دفع تيارات حزبية واجتماعية حديثة التأسيس للتحالف في إطار أوسع ، وإن مرحلياً، في وجه القانون، فالحكومة بقانونها ومقاربتها لآلية إخراجه وتمريره وبصمّها الآذان عن أي صوت ناصح اعطت دفعة لهذا التقارب الذي ترجم إلى تنسيقية جامعة في خطوة محمودة مبشّرة نأمل أن تبلور فهماً مختلفاً لمعنى التكامل الحزبي والتحالف والاختلاف ولمفردات اللعبة السياسية الجديدة ، التي يراد لها ان تعتمد البرامج والخطط سريعة التنفيذ على حساب تيارات ومدارس الأيديولوجيا والبرامج الشاملة.





في مقابل كل ذلك لاخلاف على أن الفوضى التي تعيشها وتسبّبها وسائط التواصل الاجتماعي قد بلغت في بعض جوانبها مستويات مقلقة ، وأن هذا العالم الافتراضي بات بحاجة الى ضبط وتنظيم، لكن ذلك لايعني أن دور الدولة أو مؤسساتها هنا محصور فقط في سن أو تطوير القوانين الناظمة للعقوبات في مواجهة أي تجاوز أو إضرار ، مابالكم بقانون جدلي يحمل في طياته كل عوامل النفور منه ورفضه والنظر بعين القلق والريبة إلى شكله ومضمونه وتوقيته ومآلات تنفيذه. واجب الدولة أن تخلق ، أو تساهم على الأقل في خلق، الواقع الذي يجد المواطن نفسه فيه عنصر بناء وتأثير ومحط رعاية واهتمام وصاحب رأي يحسب حسابه وتراعى مصالحه ويسمع صوته ، لا أن تفرغ مؤسسات التمثيل الشعبي من مضمامينها وتصادر الحريات وتكمم الأفواه وتحارب بكل ما تستطيع كل محاولة للتعبير بالطرق التقليدية السلمية ثم تنتظر من الأردنيين أن يقاربوا "الفيسبوك" ، مثلاً ، كفضاءٍ لتبادل التهاني وأخبار الزواج والوفيات ، سيما وأن حكومات متعددة كانت تضبط إيقاع سلوكها وقراراتها على "حرارة المشهد الفيسبوكي" ، بل وترضخ لتجاذباته وعبثه بالرأي العام مستفيدةً من فوضى هائلة ساهمت في التفتيت والتدمير والتحريض ،الذي بلغ حد القتل أحياناً، لمجرد إشغال الاردنيين عن ملفٍ حكومي هنا او تقصير رسمي هناك، ومجدداً وككثير من الاشياء سابقاً ينقلب السحر على الساحر.





إلى ذلك يمكن القول أن القانون جاء ليعالج الأزمة التي يخلقها تناول البعض لمقامات عليا جرى تناولها والتطاول على بعضها في الوقت الذي قد يتسبب وضع حد لذلك وفق الأطر المتاحة حرجاً على أعلى المستويات ، والحديث هنا عن اصوات الخارج التي تلقى ، على علّاتها، رواجاً ملفتاً في الداخل ، مايطرح السؤال الجوهري حول أسباب انتشارها ودلالات اتساع رقعة متابعيها ، وهو اختلالٌ كشفه القانون وتداعياته ولم يتسبب به ، فالحكومة التي لطالما حاربت طواحين الهواء في معارك وهمية للخروج من أزمات غياب الشعبية وسوء الإدارة والتقصير في حل المشكلات هنا او هناك تدفع اليوم ثمناً يراد للمواطن أن يسدد فواتيره، وهو الذي لم يكن ليتابع بعض الأصوات التي تمارس "الردح السياسي" والشتم والتنفيس لو وجدت أصوات المعارضة الوطنية في الداخل متسعاً للتعبير عن ذاتها وإسماع صوتها ، والمواطن لم يكن ليستمع إلى الصالح والطالح والصدق والتضليل لو كان وجد طريقه سالكاً الى مشروعه الوطني الذي بات حاجةً ملحة اليوم أو لو أن الحكومة لم تجهز على المحددات الصحية والعوامل المأمونة لتطور واستقرار (الرأي العام) ، كما أن الحكومة هي من أعطت فعل الشتم والردح ذاك قيمة وأهمية فكانت أول ، وآخر، من أطلق ، وعلى لسان نائب رئيس الوزراء ، مفردة "المعارضة الخارجية" في وقتٍ لم يكن المواطن يرى في أصوات الخارج ،على ارتفاعها، مشروعاً وطنياً ولازال ، بل ويرى فيها عادةً مجرد " فشة غل" تدغدغ رغبته في معرفة مايجري وفي التعبير عن غضبه واعتراضه حتى وإن تحوّل بعض هذه الأصوات في الذهن الجمعي إلى وسيلة للتسلية والتندر . والحل هنا أيضاً لن يتأتى بقانون مقيّد للحرية ، بل يأتي عبر المكاشفة والشفافية و وقف التضييق على الأصوات الوطنية وبردم الهوة الآخذة في الاتساع بين المواطن ومؤسسات الدولة ، سيما وأن الأردنيين قد أثبتوا في كل استحقاق حرصهم المطلق على البلاد ومؤسساتها ومستقبلها .
ان مشروعاً وطنياً يؤمن به الناس ويتحملون في سبيله كل عبء وتبعات ، ومعارضةً وطنيةً وازنة جادة تمتلك أدوات مخاطبة الشارع والتأثير فيه عمودان أساسيان لحكم مستقر متين ولشرعيةِ وشعبية أية حكومة تمتلك ولايةً عامة وتضطلع بمسؤولياتها وتَصدُق القوم القول وتخاطبهم من الأرض.
ربما انتصرت الحكومة في معركة سياسية دستورية عنوانها قانون الجرائم الإلكترونية … لكن الوطن ومؤسساته ومستقبله قد خسروا جولةً أخرى في معركتنا مع الوهم وحتمية التغيير … فهل تستفيد الحكومة من الدرس؟ أم سيجد الأردنيون ضالتهم في التعبير عبر وسائل أخرى قد تكون أكثر جدوى … لعل الشارع سيكون ساحة اختبارها القادمة!





والصدق والتضليل لو كان وجد طريقه سالكاً الى مشروعه الوطني الذي بات حاجةً ملحة اليوم أو لو أن الحكومة لم تجهز على المحددات الصحية والعوامل المأمونة لتطور واستقرار (الرأي العام) ، كما أن الحكومة هي من أعطت فعل الشتم والردح ذاك قيمة وأهمية فكانت أول ، وآخر، من أطلق ، وعلى لسان نائب رئيس الوزراء ، مفردة "المعارضة الخارجية" في وقتٍ لم يكن المواطن يرى في أصوات الخارج ،على ارتفاعها، مشروعاً وطنياً ولازال ، بل ويرى فيها عادةً مجرد " فشة غل" تدغدغ رغبته في معرفة مايجري وفي التعبير عن غضبه واعتراضه حتى وإن تحوّل بعض هذه الأصوات في الذهن الجمعي إلى وسيلة للتسلية والتندر . والحل هنا أيضاً لن يتأتى بقانون مقيّد للحرية ، بل يأتي عبر المكاشفة والشفافية و وقف التضييق على الأصوات الوطنية وبردم الهوة الآخذة في الاتساع بين المواطن ومؤسسات الدولة ، سيما وأن الأردنيين قد أثبتوا في كل استحقاق حرصهم المطلق على البلاد ومؤسساتها ومستقبلها .
ان مشروعاً وطنياً يؤمن به الناس ويتحملون في سبيله كل عبء وتبعات ، ومعارضةً وطنيةً وازنة جادة تمتلك أدوات مخاطبة الشارع والتأثير فيه عمودان أساسيان لحكم مستقر متين ولشرعيةِ وشعبية أية حكومة تمتلك ولايةً عامة وتضطلع بمسؤولياتها وتَصدُق القوم القول وتخاطبهم من الأرض.
ربما انتصرت الحكومة في معركة سياسية دستورية عنوانها قانون الجرائم الإلكترونية … لكن الوطن ومؤسساته ومستقبله قد خسروا جولةً أخرى في معركتنا مع الوهم وحتمية التغيير … فهل تستفيد الحكومة من الدرس؟ أم سيجد الأردنيون ضالتهم في التعبير عبر وسائل أخرى قد تكون أكثر جدوى … لعل الشارع سيكون ساحة اختبارها القادمة!