حين تصبح الدبلوماسية سلاحاً مضافاً بيد المقاومة.

المحلل السياسي / الكاتب / ضرار البستنجي/ عمّان
في الوقت الذي تضع أطراف محور المقاومة اليد على الزناد في إطار الجهوزية المستمرة والاستنفار الحالي في إطار خيار دخول معركة فلسطين والأمة اليوم ، وفيما يتردد على كل الألسن السؤال عن قرار المحور بهذا الخصوص وعن محدّدات اختيار توقيته إن اتخذ؛ تتعزز في خلفية الصورة بوادر تحقيق خرق على مستوى "دبلوماسية الحرب" التي تضطلع بها (طهران) باسم المحور وكخيارٍ مهم لوقف العدوان الدموي الهائل على أهلنا في (غزة) وبما يضمن الاحتفاظ بالانتصار المدوي الذي حققته المقاومة عبر عملية (طوفان الأقصى) .
الثابت الذي لايصح التشكيك فيه أن محور المقاومة لن يترك (غزة) ومقاومتها رغم التهديدات والصعوبات والتضييق والاستهداف الممتد لعقود ، ليس فقط لأن المقاومة مشروع متكامل موحّد باتجاه هدفه الأسمى؛ تحرير فلسطين ومواجهة الاحتلال والاستعمار ومشروع الهيمنة والتفتيت ونهب الخيرات ، بل أيضاً لأن معركة اليوم معركة وجود ، سيما وأن سقف العدو ومن خلفه الأمريكي ببوارجه وطائراته وحلفائه الأوروبيين وأدواته في المنطقة يتجاوز بكثير حدود (غزة) مستهدفاً قضية فلسطين برمّتها ومحور المقاومة بل والمنطقة بعمومها.
وبالحديث عن التدخل ووحدة المحور ،دماً ومصيراً، وعن الأسئلة المطروحة لابد من الإشارة إلى أن الضغط الهائل الذي يسببه مشهد العدوان والدم والدمار اليوم يحجب عن ذهن شريحة واسعة من جمهور المقاومة أن القرارات المصيرية الحاسمة لاتتخذ جزافاً ، وأن القيادة الفاعلة الناجحة هي التي تنجح في خلق مروحة خيارات تصب كلها في خدمة الهدف الاستراتيجي ، وإن كان ذلك يتطلب حسابات توزن بميزان الذهب، سيما حين تتكئ على عقيدة صلبة وتجارب مهمة وعلى تعاظم الإمكانات وصلابة الحاضنة الشعبية ، في مقابل حسابات التوقيت وقدرات العدو ومخططاته وعوامل الضغط الهائل بدءً بدماء الأبرياء وليس انتهاءً بضغط الساحات والمحيط والقوى الدولية.
إذاً؛ تتعدد خيارات المقاومة اليوم، امتداداً من التدخل المباشر عبر الحدود مع فلسطين ، الشمالية بالذات، (ماقد يبلغ حدود الحرب الإقليمية الكبرى بالنظر إلى قدرات (حزب الله) الهائلة وتجاربه واستراتيجياته الكفيلة بتغيير شكل المعركة تماماً ، في مقابل الحضور العسكري الأمريكي - الأوروبي الاستثنائي والمأزق الصهيوني وتعدد ساحات الاشتباك والتداخل)، وصولاً الى خيار المشاغلة وتحريك ساحات أخرى للضغط على الأمريكي وتوجيه تهديد مباشر لمصالحه ، مروراً بخيار السعي نحو خرق دبلوماسي يوقف نزيف الدماء دون التفريط بالانتصار الهام والمفصلي الذي تحقق.
وفيما تتزايد أصوات "النصح" لانتهاج خيار المشاغلة وتحريك الساحات الأخرى يبدو جلياً أن عقل المقاومة يفضّل التركيز على ساحة (فلسطين) وتوجيه كل الجهد باتجاهها وفي محيطها، وحيث يؤخذ في الحسبان الأولوية المطلق لوقف شلال الدم الفلسطيني إلى جانب محددات المشهد الدولي والإقليمي يصير خيار احتواء العدوان ( لاوقفه فقط) وخلق حل دبلوماسي على قاعدة استحضار استراتيجية "جولة انتصار" ضمن سلسلة جولات، (وهي استراتيجية تقع في جوهر "علم المقاومة الشعبية"، فضلاً عن أنها قد أثبتت نجاعتها عبر سلسلة من الجولات ساهم كل منها فيما وصلنا إليه اليوم من تعاظم في الامكانات، ومن نفوذ وقدرة على التأثير، وفرض قواعد ردع واشتباك تمثّل انجازاً استراتيجياً هاماً.
مع كتابة هذه السطور تتوالي التصريحات والعواجل التي تنذر بقرب اشتعال المنطقة والعالم ، فيما تلوح في الأفق فرصة حقيقية لنجاح دبلوماسية المقاومة في خلق هوة في جدار المشهد عبر جهدٍ جبار بذلته الدبلوماسية الإيرانية في كل الاتجاهات، بموازاة جهد دبلوماسيٍ - أمني سوريّ جَهِد ،في الظل، في اتجاه تمتين بعض المواقف العربية ومنع تحقيق اختراق صهيوني قاتل ؛ على صعيد مخطط التهجير القديم المتجدد بالذات.
في الحروب المفتوحة على كل الاحتمالات، وفي ظروف التشابك والانزياح الدولي التي تخلقها مشهدية مغادرة العالم ،قسراً وبعنف، واقع القطب الواحد ينتصر من يمتلك خيار الحرب جنباً إلى جنب مع سبل انتزاع مسار سياسي، وهو ماتختزله بوضوح اليوم تصريحات وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبداللهيان) الذي أبدى نجاحاً كبيراً في استخدام أوراق الدبلوماسية الإيرانية العريقة باحتراف شديد، وضع الحدث الغزّي على رأس ملفات التشابك والاصطفاف الدولي والإقليمي، في الوقت الذي تقف معظم الأنظمة العربية بين عاجز ومتفرجٍّ ومتواطئ أو موعود بتعاظم الدور والنفوذ على حساب الدم والثوابت ، ويدرك العدو ومن خلفه الأمريكي الذي يدير المعركة بكل جوانبها أنه لم يحقق انتصاراً عسكرياً حتى اللحظة ، وأن دماء الأبرياء وحصارهم وتدمير (غزة) لن يمحو صورة ونتائج الانتصار الكبير الذي سينعكس على واقع الكيان ومشاريعه كما المنطقة والعالم وموازين القوى والتأثير، وهو مايفسّر الارتباك والفوضى والدموية التي ينتهجها (نتنياهو) إلى جانب استئنافه محاولات جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية ، فيما يبدي الأمريكي تراجعاً مدروساً من بوابة الأسرى، وهو الملف الأهم في مسارات الحراك الدبلوماسي اليوم، حيث لاتفريط بهذا الكنز الاستراتيجي الذي تصر المقاومة على أن يكون ثمنه وقف العدوان والحصار و"تبييض" سجون الاحتلال من الأسرى، ويريده العدو ثمناً لإعادة الماء والكهرباء والدواء ووقف مساعي التهجير .
فيما يتأرجح العالم بين دعوات وقف العدوان او منع تمدد المعركة، وبين مخططات (واشنطن-تل أبيب) الساعية إلى تدمير (غزة) واجتثاث مقاومتها لفرض الحلول التصفوية، في مقابل محور مستعد لكل الخيارات ومدجج بكل أسباب الانتصار ومدعومٍ ببسالة الغزاويين وعظمتهم … تظل المنطقة أمام خيارات متعددة ، وأياً يكن المسار الذي ستتخذه الأحداث يظل الثابت أن مافعله محور المقاومة ،في كل الاتجاهات، ومنذ لحظة انطلاق (طوفان الأقصى) إلى هذه اللحظة ومابعدها سوف يدرّس في كتب التاريخ ، وتحت عنوانٍ عريض … (المقاومة .. الخيار الذي لايُهزم).



















