الطفلة ندى الصلاحات تكتب : طوفان الأقصى

الوطن هو أغلى كنز يملكه الشخص؛ فهو لا يباع و لا يشترى بل نضحي بأرواحنا و دمائنا من اجله، فذرة من تراب وطني الذي روي بدماء الشهداء أغلى من أكبر جوهرة في العالم.
بلدي فلسطين هي شامة بين الدول فتاريخها عريق و هي أرضٌ مقدسة و هي أرض الإسراء و المعراج، في مسجدها الأقصى صلى النبي محمد -صلى الله عليه و سلم- بالأنبياء. كم أتمنى و يشتاق فؤادي أن أصلي هناك ولو ركعة واحدة، و أن أقبل ارضها.
كم أشتاق لزيارة فلسطين، ففي سهولها الخضراء ركضت، و من ماءها العذب شربت، و من خيراتها أكلت، فيها ترعرعت و كبرت، فحبها هو عشقي الأول و الأخير، حبها هو نبض قلبي و هواها محفور في قلبي كالنقش في الحجر.
عندما أتذكرها تفتح أبواب فرحتي، و تشرق شمس يومي المظلم، و تُرسم ابتسامة عريضة في وجهي المتعب، وتتفتح الازهار في روحي العليلة.
لكن هناك غصة في قلبي، تحبس أنفاسي، و هي كالصخور الثقيلة على صدري، ففلسطين الآن محتلة دون حق، دنسّ الاعداء أرضها الطاهرة و سرقوا حريتها و شتتوا أبناءها، و بسبب ذلك قلبي متوقف عن الخفقان و أبواب فرحتي أغلقت و كسر خاطري كالزجاج لذي لا يمكن اصلاحه و ذبلت ابتسامتي، و دموعي كالمطر المنهمر الغزير على صفحات خدي و لم تتوقف من النزيف، و انطفأ النور في قلبي المنير.
فكم صعبٌ أن ترى ثرى وطنك مخضب بالدماء؛ فلقد رواه بالدماء الشهداء البريئون حتى ثمل و كم موجع أن ترى وطنك الأسير من بعيد بين أيدي الأعداء و الغرباء يمرحون فيه و يفسدون كما يشاؤون بينما نحن… نحن أصحاب الحق أصحاب الأرض ليس بإمكاننا أن نزورها فحرمنا منها و سلبنا من حضنها الدافئ، و فرقوا الأم عن أبناءها، فأصبحوا بدونها بلا مأوى و هذا يذكرني ببيت الشاعر أحمد شوقي القائل:
أحرامٌ على بلابله الدوح حلال على للطير من كل جنس.
ها هو الطفل الذي لا تغمض له جفن من الخوف و الهلع. ها هي الرضيعة تملك هوية مجهولة تسيل الدموع على وجنتيها الممتلئة ، ها هو الولد في ربيع عمره يبحث عن والديه اللذين استشهدا، ها هو الولد الذي ترجف جميع أرجاء جسمه، ها هو الطفل الذي سلبت متعة طفولته و اختفت. ها هم أطفال غزة لا بل أبطال غزة يكتبون أسماءهم على أيديهم لا يهابون الموت و مقبلين ليس مدبرين .
ماذا حدث في أمتنا العربية؟ و ما حدث في الشعب العربي؟ الشعب العربي الإخوة في
العروبة و الإسلام، الشعب الذي يكون كالبركان و يستأصل العدو المتمسك من جذوره. الشعب الذي لا يتخلى ولو كان السيف على أعناقهم! هل يا ترى توجد غمامة تمنعكم من الرؤية؟ هل يا ترى توجد أغلال بين أيديكم تمنعكم من التصرف؟ يا عرب فلسطين استنجدتنا فلماذا نحن صامتون؟ قد زاد الاحتلال على النار الحطب و ازدادت اشتعالا أين انتم؟ يبدو أنكم أغلقتم جميع الأبواب و لم يتبقى إلا باب الله تعالى.
ولكن بالرغم من ذلك الصخب بقيت فلسطين شامخة كالجبل في وجه الاعداء، فلن تؤثر عليها العواصف و لن تنحني أمام الظلم، فكما زرعوا الشر و الشوك سوف يجنون الجراح و الاسى و سيأتي يوم… سيأتي يوم يرجع الحق لاصحابه، و يعود الأبناء لحضن أمهم تملؤه الأمان، والسلام، والسكينة، فالأيام متقلبة و الأيام دول، فمن ساءه زمن سره أزمان. و سترحل الغربان من الأرض المقدسة و يرجع الحمام من جديد، وسيزول الاحتلال. سيرجع قلبي للخفقان من جديد.
ندى الصلاحات



















