نيفين عبد الهادي : الملك.. رسائل بحجم الحقيقة الفلسطينية

لم تعد غزة في جزء كبير منها مكانا قابلا للحياة، حقيقة يدركها الجميع لكن الكثير منهم يغمض عينيه عن هذه الحقيقة، ما يحدث في غزة تجاوز مفاهيم جرائم الحرب عبر التاريخ فلم يحدث بأي حرب مهما بلغت قساوتها أن يتم خلالها قصف المستشفيات وقتل الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء، حتى في الحروب هناك إنسانية وأخلاق وأدبيات حتما لم يأبه بها الاحتلال الإسرائيلي بل لم يأخذ بسطر واحد من أسطرها، التي امتلأت بها أجندات جمعيات ومؤسسات دولية حملتها على «كفوف المسؤولية والراحة» على مدى سنين بل على مدى عقود .ما يحدث في غزة هاشم لا تحتاج عيون زرقاء اليمامة لتتضح الصورة، ويراها الجميع، فما يحدث واضح حدّ الجريمة، ما يجعل من أخذ إجراءات حازمة حيال الاحتلال واجبا ومسؤولية على العالم بكافة دوله، وفي بقاء الأيادي مكتّفة، والعيون مغمضة والأذان صمّاء، جريمة أخرى بحق الأهل في غزة، وحق البشرية وحق الطفولة والإنسانية، في أخذ مواقف حازمة يجب يتم ذلك قريبا، بل يجب أن يحدث أمس قبل اليوم، واليوم قبل غد، فبقاء الحال جريمة وإبادة جماعية يتحمل كثيرون مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية .جلالة الملك عبد الله الثاني أمس في كلمة ألقاها في القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية حول غزة، التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الرياض نبّه إلى جانب هام جدا فيما يخص الحرب على الأهل في غزة عندما قال جلالته (هذا الظلم لم يبدأ قبل شهر، بل هو امتداد لأكثر من سبعة عقود سادت فيها عقلية القلعة وجدران العزل والاعتداء على المقدسات والحقوق، وغالبية ضحاياها المدنيون الأبرياء)، (إنها العقلية ذاتها التي تريد تحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة، تستهدف المساجد والكنائس والمستشفيات، تقتل الأطباء وفرق الإنقاذ والإغاثة، وحتى الأطفال والشيوخ والنساء)، عقلية القلعة التي يمارسها الاحتلال، جرأة ووضوح وشفافية، ووضع المسؤولية على طاولة البحث العربي والإسلامي لتكون مفتاحا لعمل يجب أن يُحدث تغييرات حقيقية في هذا الظلم، وهذه العقلية، ويضع حدّا لحرب جعلت من غزة غير قابلة للحياة دون الأخذ بقدسية وحُرمة وخصوصية طفل أو سيدة أو مستشفى أو طبيب أو مسجد أو كنيسة أو شيوخ، حرب استمرارها سيقود المنطقة لصدام كبير.بلغة واضحة بعيدا عن جدليات أنهكت السلام وأنهكت دروبه كافة، تحدث جلالة الملك عن الحرب على غزة، والظلم الذي يشهد الفلسطينيون والغزيون ليس من السابع من الشهر الماضي، إنما منذ سنين، محذرا ومنبها، ومصارحا بكل وضوح العالم بأن (الظلم الواقع على الأشقاء الفلسطينيين لهو دليل على فشل المجتمع الدولي في إنصافهم وضمان حقوقهم في الكرامة وتقرير المصير وقيام دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية)، نعم هو فشل المجتمع الدولي في إنصافهم، أيّ وضوح هذا يا سيدي، وأي مصارحة وشفافية، على الجميع التنبّه لهذه الجزئية ووضعها تحت مجهر الحلول القادمة، -إن وجد- على مستوى عالمي، وحتما في تكرار أي كلمات باتت تحضر في كل مناسبة تخص فلسطين، ما هي إلاّ خطى تؤخر التقدّم ولا تحققه، ما يجعل من كلمات جلالة الملك تتجاوز كونها كلمات لحالة سياسية وإنسانية في تطبيقها عدل حقيقي للفلسطينيين، ورؤى جادة لتحقيق السلام.وفي تساؤل جلالة الملك الهام جدا، والذي يضع العالم أمام مسؤولياته (هل كان على العالم أن ينتظر هذه المأساة الإنسانية المؤلمة والدمار الرهيب حتى يدرك أن السلام العادل الذي يمنح الأشقاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد للاستقرار والخروج من مشاهد القتل والعنف المستمرة منذ عقود؟) سؤال بحجم الحقيقة الفلسطينية، سؤال يحمل جوابا، سؤال يتحدث به اليوم كل فلسطيني وكل غزّي وكل أردني، أطفالهم ونساؤهم وشيوخهم وشبابهم، هل ينتظر العالم حربا مستعرة حتى يدرك أهمية السلام، وضرورة تحقيقه، لا شك أنها رسائل بحجم الحقيقة والحاجة الفلسطينية.



















