حرب غزة …و أربعون مدا بين الصهيونية والإنسانية .

دكتورة ميساء المصري
يقال أن "الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحا" ويقال أيضا أن "ما بعد الوفاة والولادة أربعين كربا ",وها نحن في اليوم ما بعد الأربعين للحرب على غزة , بكي من بكى , وكرب من كرب , ومازال المخاض صعبا عسيرا ومؤلما يعلن وفاة شعوب وعسف حكومات , وولادة شعوب و إنعاش (فكرة ).
في عام 1969 تم حرق المسجد الأقصى وقتل المصلين وبقر بطون الحوامل يومها غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان المحتل أنذاك قالت " لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب سيدخلون اسرائيل أفواجاً من كل صوب , لكنني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بإستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أمة نائمة ".فما حالك اليوم يا غولدا بهذا السبات وحضرة الغياب الدولي حتى بات العالم يشاهد الأجنة تقتل قبل الولادة والأطفال الخدج مرصوصين على سرير مستشفى الشفاء في بث حي ومباشر أمام أبصارالجميع ينتظرون إعلان ساعة الوفاة. ألم اقل لكم أن ما بعد الوفاة والولادة أربعين كربا .
مع إحتدام الصراع بين الكيان المحتل وغزة, تم إرتكاب جميع الجرائم الإنسانية بحق المدنيين دون تحقيق أي نصر يذكر للكيان , نتنياهو يبحث عن نصر له أمام شعبه الذي بات يعلم جيدا سقوطه السياسي والعسكري والدولي , وعلى الصهاينة استيعاب ذلك جيدا حيث في الديانة اليهودية ينص الإصحاح السابع من سفرالتكوين على أنه خلال أربعين يوما وقع طوفان نوح. اي الفترة التي تكون فيها الطوفان فيقول: "وَكَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً".وما بين طوفان نوح والأقصى أمم تتشكل .
ما يرتكبه الكيان حاليًّا هو سجل طويل من الإنتهاكات البشعة اللانسانية وصلت الى درجة من التعقيد ، ونقلت الصراع إلى نقطة لا عودة بعدها ، وليس من السهل فك طلاسم الحاصل، الحرب قد تتوسع والجبهات قد تتعدد,الحوثي يتوعد بإغراق سفن الكيان في البحرالأحمر, وجبهة مضطربة في لبنان , وصواريخ حماس مازالت تحرق تل أبيب ويتم التفاوض عن تبادل الأسرى وهدنة لخمسة أيام هو إعتراف صهيوني صريح بالهزيمة سياسيا وعسكريا.
وسواء كان هنالك حل سياسي أو أممي أو إقليمي أو دولتين , تبقى بصمة الصمت وجريمة الحرب العالمية سيدة الموقف , فمن خلال المتابعة للمجازر وأحداث الحرب الهمجيّة الدمويةّ نقف مطولا أمام بعدا أخلاقيا عالميا مخيفا . الكيان المحتل الصهيوني إرتكب أكثر من إثنين وأربعين إنتهاكا للصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان لتخرج الكيان خارج علم السياسة وتدخله علم الإجرام والإرهاب والدونية .
بل مايحصل في غزة هو إهدارٌ للحقوق، من أول حق في الحياة الكريمة وتوفير الماء والكهرباء والغذاء والدواء والحرية والأمان الى إتفاقيات جنيف الأربع بموجب موادها ككل . والبروتوكول الأول الإضافي الملحق بإتفاقيات جنيف لسنة 1977 , والتعذيب و المعاملة اللانسانية أو العقوبة القاسية والإعتقالات التعسفية والعقوبات الجماعيّة والإقتصاص الجماعي المقترف بحق مدنيي قطاع غزة أو ممتلكاتهم، و تدمير الممتلكات سواء أكانت مملوكة للأفراد أو للمؤسسات العامة أو الخاصة.
وجرائم إبادة جماعية محظورة بالمطلق بموجب المادة الخامسة من نظام روما الأساسي وتطهيرعرقي ممنهج وقتل قصد للأطفال والرضع والنساء مما اضطر نحو 1.4 مليون فلسطيني من السكان المدنيين إلى إخلاء منازلهم بشكل قسري وتعرضهم للتهجير القسري دون حق التنقل واستخدام مقذوفات مدمرة وأسلحة حارقة ومحرمة دوليا ضد المدنيين .والانتهاكات الجسيمة في الضفة الغربية والإستهداف المباشر والمقصود للصحفيين وللطواقم الصحفية وإنتهاك صارخ لحرية التعبيرعن الرأي وعزل غزة عن العالم . والإعتداء على المستشفيات المدنية و الطواقم الطبية و الإسعاف وشاحنات الإغاثة.ومحاصرتهم وحرمانهم من المواد الطبية والمساعدات. يعد مخالفة للمواد (16 و17 و18 و20) من اتفاقية جنيف الرابعة.
و الإعتداء على الأعيان الثقافيّة والمدنية وأماكن العبادة والبنى التحتية , والمحظورٌ بموجب إتفاقية لاهاي و منتهكة بذلك مبدأ التمييز والتناسب والضرورة.,وهذا جزء من كل , وقطرة من فيض ومازال للحديث بقية .
بالمقابل نجد الكيان الصهيوني يهدد بمعاداة الصهيونية بمعني معاداة السامية وجرمها واحد ويتوعد نتنياهو بمحاسبة مناهضيين الصهيونية فهي بنظره ليست أقل شرعية .، ولا يجعل مناهضتها أقل عداء للسامية. ولنقف على إزدواجية المعاييرالعالمية وفقدان المصداقية العلنية ليبرر الكيان المحتل أن من حق شعبه التمتع بحق تقرير المصير، وأن هذا مثبت في ميثاق الأمم المتحدة، وأن لليهود هذا الحق، وأن الحركة الحديثة لممارسة هذا الحق تعرف بالصهيونية، وأن إنكار هذا الحق على اليهود يعكس تمييزا ضدهم يجب أن يحاسب عليه من يرفضه في أي مكان كان .
بل يتجاوز الإعلام العبري صلافته ليتساءل عن كارثية ما يحصل للشعوب الغربية ، والدعوات الصريحة للإبادة الجماعية لليهود، ورفع شعار "من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة" ، والدعوة إلى "انتفاضة عالمية" ، وإعتبارها "دعوة صريحة لقتل اليهود".
ويعبرعن صدمته من مطالبة الغرب بتطبيق القيم الغربية على من يصفهم "إرهابيين إسلاميين" . إذا على كل شخص أن يحذر, إياك ان تقول صهيوني فهي تهمة صريحة في عالم أكاذيب لم يعد يحتفظ بوضوح المعاييرالأخلاقية، ولا العدسات النظيفة ولم يعد يرى الحقيقة. فهل فقد العالم صوابه .
بقدرما كشف من نفاق العالم وإنحطاط قيمه وازدواجية معاييره، كشف كذلك حجم الخذلان العربي ، فهل يعقل أن نصل من العجز إلى درجة لم نعد نستطيع القيام بأي خطوة تحفظ لنا مكانتنا وقيمتنا بين العالم ؟ قادم الأيام يحمل لنا الكثير .



















